IMLebanon

سلطان السلطة

 

 

منذ بداية الإستقلال حتى اليوم تناوَبَ على الحكم اللبناني ثلاثةَ عشرَ رئيساً بدأتْ معهمُ العهود عاليةَ المستوى وراحتْ تنخفض مستوياتها تباعاً حتى الإنهيار… هذا فضلاً عن أنْ الرقم «13» يعتبرهُ الكثيرون نذيـرَ شـؤْم.

 

من بين الثلاثة عشر رئيساً: إثنان سقَطا بالإغتيال الدموي (بشير الجميل ورينه معوَّض) والرئيس بشارة الخوري سقط بالإغتيال الأخوي.

 

بشارة الخوري، رئيس جمهورية الإستقلال مدَّدَ لَهُ المجلس النيابي بعد انقضاء الولاية الأولى، فكان سقوطُه عظيماً في منتصف الولاية الثانية بفضل شقيقه سليم الذي لُقِّـب بالسلطان تشبُّهاً بالسلطان العثماني.

 

لقد نشرَ السلطان سليم ظلالَ سلطنتهِ على الجمهورية وسَطا على شؤون الدولة وقطاعاتها فعمَّ فيها الفساد، وكان أشبهَ بالحاكمِ العُرفي في دولة الحكم الجمهوري.

 

مع بدايات الولاية الثانية للرئيس بشارة الخوري، وفي الجلسة النيابية لطرح الثقة بحكومة الرئيس رياض الصلح، تناول النائب حميد فرنجية ازدواجية الحكم بين صاحب الفخامة وشقيقه صاحب السلطان فقال: «هناك ضرورة لتغيّـير عقليّة الرئاسة في تطبيق القوانين والأنظمة، ويتعيَّـن على الأشخاص غير المسؤولين حيال البلاد أنْ يضعوا حداً لتدخّلهم في شـؤون الدولة …»(1)

 

ولأنّ العقلية السلطانية هيْمنَتْ على العقلية الرئاسية أُصيبَ عهد بشارة الخوري بمرض السلطنة فانهارَ تحت وطأة ما سمّي عثمانياً: بدولة «الرجل المريض».

كبار زعماء التاريخ من سلاطين وقياصرة وملوك كانت نهاياتُهم نتيجة سوء مشورة المستشارين وظلم ذوي القربي.

 

كاترين الثانية زوجة القيصر الروسي بطرس الثالث تدخَّلت في شؤون الحكم، ولأنّ اهتمامها كان بالتاج استطاعت أن تخلع التاج عن رأس زوجها القيصر وتضعه على رأسها بعد انقلاب أدّى إلى اغتياله.

 

ملك إسبانيا شارل الأول الذي أصبح الأمبراطور الخامس، كان لا يعرف الإسبانية فشاركَتْه الحكمَ أمُّـهُ الغبيّـة «جوانا» فثار الشعب عليه، وكان ضحيّة غبـاء أمِّـه.

 

ماري أنطوانيت زوجة الملك الفرنسي لويس السادس عشر استطاعت بإرشاداتها السنيّـة، وبالعقد المرصّع بالجواهر أن تدحرج رأس الملك المتـوَّج تحت شفرة المقصلة إلى جانب رأسها.

 

مستشار الملك الفرنسي لويس الثالث عشر، ورئيس وزرائه «ريشليو» الملقّب بالكاردينال الأحمر نصَح جلالته بالتغاضي عن استمرار الرشوة وتوريث مناصب القضاة، فسيطر على الدولة وقضى على الملك والقضاء فقال فيه الأديب الفرنسي «ألكسندر دوما»: «كانت كلُّ نصائحه تصبُّ في مجده الشخصي».

 

ونابوليون العظيم عندما تأثَّـر بنصائح مستشاريه وعلى رأسهم وزيـر خارجيته الداهية «تاليران» وشـقَّ طريقاً لمهاجمة روسيا، لم يكن يدرك أنّـه كان أيضاً يشقّ طريقاً إلى المنفى في جزيرة القديسة هيلانه.

 

وحـدَه هتلر عندما شكَّك بإخلاص الماريشال الإلماني «رومل» الملقّب بثعلب الصحراء أمـرَ الثعلب بالإنتحار.

 

هذا بعضٌ قليل من الخلاصات التاريخية العامة بما فيها مِـنْ عِبـرٍ لـمَنْ يعتبرون من الحكام وسلاطين الحكام … لو أنهم يقرأون.

 

وفي الخلاصة التاريخية الخاصة يتَّضح: أنَّ بين العهد الإستقلالي الأول والعهد الحالي بعضَ شبهٍ بـما سادَ في البلاد من فساد على يـدِ شياطين السلاطين، إلاَّ أنَّ العهد الإستقلالي الأول كان يضمُّ رجال دولةٍ كباراً حالوا دون سقوط لبنان في قعـرِ الإنهيار فأسقطوا الحكم وسلطانـه.

 

لأن لبنان اليوم يفتقد الرجال الرجال في هذا الضياع الكوني والكياني…

نعم … اللـه يعينُ لبنان، ولا حوْلَ ولا قـوّةَ إلاَّ بعونهِ السماوي.

-1 بشارة الخوري فارس الموارنة: وليد عـوض – الجـزء الثاني: ص. 270.