Site icon IMLebanon

حكومة «المتراس الأخير» والتواقيع القاتلة!

 

بين موت المشروع وإعلان وفاة الجمهورية

 

عندما يعلن أحدهم (جبران باسيل) أن الجمهورية الثانية انتهت، فهو يقصد جمهورية الطائف الأولى، التي وفقاً لتصوراته، أخرجت القرار السياسي من رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً في محاولة بالغة الخطورة للتأشير على ما يحصل.

 

لا حاجة للتكرار بأن الرجل يتصرّف وكأنه الوحيد المستنير القادر على إدارة أولويات البلد، غير عابئ بتعثر كامل مشروعه، وبرنامجه، على الجهات كافة، سواء في ما خص تحالفاته أو سياسته أو مشروع الإنقاذ الذي وعد به في المياه والكهرباء ونظام العمل والخدمات.

 

ليس من الإنصاف تحميل جهة بذاتها مسؤولية ما حصل في البلد من الانهيارات، ولكن ليس من الإنصاف عشية ذكرى 4 آب، وهو اليوم الذي حصل فيه انفجار هز بيروت، بعدما دمّر العنبر رقم 2 بكمية من المتفجرات، قدرها التقرير الأخير لـFBI بما نسبته 20% من مجموع الكمية التي تتجاوز الـ2000 طن.

 

لا بأس، الناس لا يتمسكون بهذا النظام الجمهوري، أو الملكي، أو الديمقراطي، أو حتى الديكتاتوري، إلا إذا كان يساهم في تحقيق حد أدنى من مصالحهم، أما أن يندفع أحدهم إلى العبث بالنظام السياسي للبلد، هو أو تياره، أو غيره، فهو أمر بغاية اللامسؤولية.

 

وعليه، يصبح السؤال مشروعاً، هل يعتبر الفريق العابث بمقدرات البلاد والعباد، أن تأليف حكومة جديدة، لم يعد ثمة حاجة اليه ما دام نظام الجمهورية الثانية دفن إلى غير رجعة؟

 

هنا بالضبط تبدو الصورة واضحة، رغم أنها كالحة السواد مما آلت إليه الأوضاع في البلد، سواء على صعيد الكهرباء، الذاهبة إلى الانقطاع الدائم، وفقاً لما تروّج له مؤسسة كهرباء لبنان، وسواء على صعيد أزمة المياه الآخذة بالشح الأكيد في المنازل والخزانات، فضلاً عن الإنترنت، حيث تتكالب الشركات الخاصة لأخذ دور هيئة أوجيرو في توفير هذه الخدمة للبنانيين.

 

يتصرف ساكن بعبدا، وهو الأب الروحي، للفريق الذي ينسف مكونات دولة الطائف، على أن لا يبقي فيها حجراً على حجر، وكأنه الحاكم بأمره، ما دام يمتلك التوقيع السحري المتعلق بإصدار أو عدم إصدار مراسيم تأليف الحكومة.

 

حرق منذ قرابة السنة أربع شخصيات سياسية وتقنية تقدمت لتأليف الحكومة، فضلاً عن خنق تجربة الوزراء في حكومة حسان دياب، التي تحلف الطبقة السياسية بكل ألوانها على عدم تكرارها، مع عمل حثيث على التخلص من الرجل ووزرائه لغير سبب وسبب.

 

والسؤال الآن: هل يقوى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على استكمال المعركة لإنجاز تشكيلة وزارية، قادرة على وقف الانهيار، بعدما اتخذ نادي رؤساء الحكومات السابقين قراراً بعدم ترك الساحة للانهيار، والاستئثار العوني في إدارة البلد، واتخاذ القرارات، تارة عبر مجلس الدفاع الأعلى، وتارة عبر غرفة العمليات أو غرفة المستشارين؟

 

دفع «نادي الرؤساء» بالرئيس ميقاتي، وهو أحد الأعضاء المؤسسين إلى متابعة رحلة الرئيس سعد الحريري، الذي توصل إلى اقتناع لا يرقى إليه الشك بأنه غير مرغوب به في بعبدا، وأن الفريق الرئاسي، اضافة إلى رئيس الجمهورية نفسه، ليس في وارد فتح الباب للرجل للاضطلاع بأي دور في إعادة التعافي إلى الوضع اللبناني، بصرف النظر عن الظروف المحيطة بهذا الدولار وإمكانية بلوغه حدوداً معينة.

 

استناداً إلى تجربة واضحة في إدارة الدولة، وخبرة في كيفية الحكومات سوداوية بما رسا عليه العقل العوني، بكل ما له وعليه، أقدم الرجل غير هياب على التقاط كرة النار، وهو كلي الثقة بالقدرة على تحقيق تقدم على هذا الصعيد، وتمثل بولادة تركيبة تقنية من غير الحزبيين أو المرتبطين بهم، كفريق عمل، منسجم، بإمكانه إعادة وصل ما انقطع من خدمات، وإعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإعادة الحياة إلى عقارب الدورة العامة في البلاد.

 

في بعبدا المشهد مختلف، حسابات بعضها يتعلق بالعهد ومصيره، انتهاء أو استمرارا، وما بعد تجربة التيار العوني في رئاسة الدولة، وبعضها يتعلق بالسماح أو عدم السماح «لفريق الطائف» من السعودية إلى مركز القرار او الشراكة، في القرار أقله!

 

في الخلفية، لم يكن من السهل على هذا الفريق قبول عودة السنية السياسية المنبثقة من رحم الطائف، فتتالت الانهيارات في عمليات التأليف والاستشارات، ثم الاعتذار.

 

وهكذا من دون أي شعور بالخطر أو حتى الخطأ، كان للفريق الرئاسي ما كان، من تفرد بالسلطة لإعادة بناء سلطة تعيد اليه بعض من «مجد تليد»! حتى ولو على انقاض بلد كان في يوم من الأيام ذا أوصاف جميلة وساحرة وحتى جذابة.

 

السؤال الآن، وعلى مقربة دخول العهد في السنة الأخيرة لحكمه، هل سيسمح عون بولادة حكومة تملأ الفراغ الرئاسي في حال شغوره في 31 (ت1) 2022؟

 

ليس بإمكان احد ان يمتلك الإجابة، لكن الحذر واجب في مثل هذه الحالة.

 

ومن هذه الزاوية، إذا كانت الاستشارات النيابية هي «استشارات اشتباك» أدت إلى تسمية ميقاتي، خلافاً لرغبة التيار الوطني الحر، وحتى رئيس الجمهورية، فإمكانية التحكم ما تزال قائمة بالمراسيم.

 

من الخطأ إسقاط هذه النقطة من الحسابات، في السنة الأخيرة لعهد انتهى تمرده باتفاق الطائف، فهل يكون اتفاق الطائف منتهياً مع نهاية عهده، الذي تخطط الدوائر هناك إلى امكانية استمراره، ربما يتم الاتفاق على منهجية تسمح بولادة مجلس نيابي، يسبق الاستحقاق الرئاسي ببضعة أشهر، يختبر مزاج الناخب، وقدرة المجتمع الدولي، على إنتاج سلطة بديلة في تجربة الديمقراطية اللبنانية البالية.

 

هكذا يبدو عون الرئيس المتراس الأخير لطموحات باسيل، التي تتعدى الرئاسة إلى إعادة توليد نظام آخر للبلاد والعباد، مهما كلف الأمر من ثمن!