تنقسم آراء القوى السياسية حيال الحكومة الى اثنين: الرأي الاول الذي يقول إنّ حكومة حسان دياب ستستمر حتى نهاية العهد، او أقله حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، وانّ السبب الاساسي لهذا الاعتقاد يتعلّق بالصعوبة الفائقة في تشكيل حكومة جديدة وهو ما ظهر جلياً أولاً مع الاتفاق على تكليف رئيسي لتشكيل حكومة، وثانياً مع الصعوبة الفائقة في تركيب هذه الحكومة رغم انها حكومة من الفريق الواحد. أمّا الرأي الثاني وهو يضمّ غالبية القوى السياسية اللبنانية، فهو واثق من أنّ هذه الحكومة هي لفترة انتقالية محددة قد لا تتجاوز السنة في اكثر الاحتمالات تفاؤلاً، وانها قد تسقط قبلاً تحت ضربات شارع الحراك وافتقادها للحماية السياسية المطلوبة، وفي انتظار متغيّر إقليمي سيقلب المعادلة الموجودة راهناً والمتعلقة بالوضع الأميركي ـ الايراني. وبالتالي، فإنّ الانتخابات الرئاسية الاميركية قد تشكّل مرحلة جديدة في الشرق الأوسط، ومعها ضرورة وصول حكومة جديدة في لبنان تحاكي المعادلة الاقليمية الجديدة.
وقد يكون أصحاب وجهة النظر الثانية أكثر واقعية في رؤيتهم للحكومة، فحكومة حسان دياب لا تبدو متجانسة، كما يصفها أحد كبار المسؤولين اللبنانيين، هي أقرب الى أن تكون حكومة تركيب على طريقة «البازل» puzzle. وانّ التجانس السياسي في الحكومات السابقة كان افضل بكثير حتى بين وزراء «القوات اللبنانية» و«حزب الله». فيما الحكومة الحالية تفتقد للخبرة السياسية، مع وجوب عدم إغفال انّ حيتان السياسة في لبنان تفرض عليك الوعي والخبرة والحذر، كون الحكومة أصبحت تسير داخل أدغال فيها الكثير من الافخاخ والمخاطر.
وبالتالي، فإنّ هذه الحكومة التي ستديرها قوى سياسية من الخارج وبواسطة «أجهزة التحكّم» ستفتقد الى النقاش السياسي الحقيقي، وهي في الوقت نفسه لا تملك دفاعات وحماية سياسية حقيقية.
وبخلاف ظاهر الصورة، فإنّ علاقة حسان دياب «العنيد» لم تعد صافية مع قصر بعبدا، وهي مُلتبسة مع عين التينة. ونقطة الاختبار السياسية ستكون مع طرح قانون جديد للانتخابات كما وعد دياب والتزم، والسعي لإجراء انتخابات مبكرة ترفضها معظم القوى السياسية.
وللواقعية، فإنّ الجهات الديبلوماسية والتي تؤيّد علناً مطلب الحراك بضرورة إجراء انتخابات نيابية مبكرة، تدرك ضمناً صعوبة حصول ذلك، ولو انّ تمسّكها به قد يؤدي على الاقل الى قطع الطريق على الداعين الى التمديد للمجلس النيابي لمدة سنتين بذريعة تزامن الانتخابات النيابية والبلدية والرئاسية في السنة نفسها.
في الواقع دارت معارك عدة خلال أسابيع التشكيل الصعبة، وأحد أبرز هذه المعارك حَمل نكهة الاستحقاق الرئاسي المقبل. صحيح انه ليس الكباش الاول حول هذا الاستحقاق، لكنّه الكباش الاول الذي حمل معه «طعم الحراك الشعبي» وآثاره على الطبقة السياسية اضافة الى السلوك الجديد لـ«حزب الله». كانت واضحة تلك المواجهة بين باسيل وفرنجية، والتي أعطت الانطباع في نهاية الامر بصعوبة ولادة الحكومة، لذلك طلب الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله من مسؤوليه إقفال خطوطهم ونفض أيديهم من المساعي التي يقومون بها. وهو سلوك جديد لـ«حزب الله» لا بد انه سيطبع مساره المستقبلي. فبدل الضغوط المباشرة التي كان يمارسها لتدوير الزوايا، أصبح لديه اسلوب آخر يرتكز على الضغط السلبي من خلال نَفض يديه وعدم الالتزام بالانتصار لوجهة نظر على حساب أخرى. فمثلاً، في الاستحقاق الرئاسي الاخير كانت له «مَونة» كبيرة على فرنجيّة لسحب ترشيحه رغم التأييد الذي حَظي به، وإبقائه في خانة دعم ترشيح ميشال عون والاستمرار في مقاطعة جلسات المجلس النيابي. لا يبدو انّ «حزب الله» سيبقى في وارد «المَونة» على أحد، وهو ما رَدّده فرنجية في مؤتمره الصحافي بأسلوبه الصريح.
لكنّ الجديد انّ حراك الشارع كانت له آثاره في سلوك باسيل، فخلافاً لِما كان يحصل سابقاً، سَلّم باسيل بشروط فرنجية ونفّذ تراجعاً وبَدا أقل مشاكسة، وهو ما كان لا يسلّم به سابقاً.
بَدا وكأنّ التعب أصابه أو ربما الاقرار الضمني بأنّ الشارع بَدّل المعادلات وانّ الظروف أضحت في مقلب آخر، وهو ربما إقرار بأنّ المشوار في اتجاه قصر بعبدا لم يعد معبّداً أو قصيراً.
حتى انّ بعض الذين تواصلوا مع رئيس الجمهورية في مشوار التكليف والتأليف، لاحظوا انّ باسيل كان غائباً عن كثير من القرارات، وهو ما لم يكن يحصل سابقاً.
امّا الاختبار الخارجي للحكومة فسيحصل مع جدية الخطوات الاصلاحية التي ستنفّذها. إنّ العواصم الغربية ليست ضد الحكومة وفي الوقت نفسه ليست داعمة لها. لذلك بَدت المواقف الغربية باردة لا سلبية. فهي تريد أن تساعد لبنان على عدم الانزلاق في المجهول والذهاب الى التفكّك، لكنها في الوقت نفسه تريد إصلاحات جدية تخفّف من الاندفاع في اتجاه الانهيار، وفي انتظار الحل العريض والذي يرتبط بالمفاوضات الاميركية ـ الايرانية، اي هدنة أكثر منها حلاً.
ولا شك في انّ العواصم الغربية، ولاسيما منها واشنطن ولندن اللتين نشطتا كثيراً لِتتَبّع تفاصيل التطورات، لاحظتا الشهية المُستجدة لبعض الدول الاقليمية لتأسيس نفوذ لها على الساحة السنية في لبنان. فالانكفاء السعودي ومعه الخليجي قد يكون دفع بتركيا الى التقدّم للتأسيس لنفوذها على الساحة.
لكنّ المشكلة تكمن في سَعي «داعش» الى إعادة إحياء دورها ايضاً، وهو ما أقلقَ السلطات الامنية اللبنانية و«حزب الله» أيضاً. فعلى سبيل المثال، قبض الأمن العام على أحد السوريين الموجودين في لبنان وهو يحضّر لعملية إرهابية لحساب «داعش»، ومن خلال التواصل مع مسؤولين في هذا التنظيم موجودين في سوريا.
لكنّ الأخطر انّ هذه العملية تضمنت شراء طائرة «درون»، وهو ما حصل، والبدء بتفخيخها بمتفجرات تمهيداً لاستهداف السفارة الاميركية في عوكر. وتمّ القبض على المتهم خلال مرحلة تفخيخ الطائرة. ولو نجحت العملية لكانت الانظار توجّهت الى «حزب الله» بسبب النزاع الحاصل في المنطقة بعد اغتيال قاسم سليماني.
في اختصار، حكومة حسان دياب قد تسمح بفترة لالتقاط الانفاس قبل جولة جديدة ستكون أعنف على الأرجح. وتكفي الاشارة الى ما تضمنه تقرير لـ«معهد أبحاث الامن القومي» في جامعة تل ابيب حول انّ تشكيل حكومة تكنوقراط في لبنان، تسعى لتنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية، سيكون مليئاً بالمصاعب، وسيجعل تحقيق هذه المهمة صعب جداً.
والأهم ما جاء في خاتمة الدراسة من أنّ لبنان في حاجة ماسة الى مساعدات خارجية من شأنها إتاحة الفرصة لإسرائيل لأن تحاول التأثير على شروط المساعدات للبنان، بما في ذلك تقليص تسلّح «حزب الله»، والمقصود هنا هي الصواريخ الحقيقة.
ما يعني انّ الحلول الجدية ما تزال بعيدة.