كيف لحاكم مسؤول ان يُبقي بلاده من دون سلطة مسؤولة؟ يُطرحُ السؤال وحولنا في العالم مئات الدول، وعشرات الانظمة، لا تجرب الترف الذي تمارسه طغمة الحكم في لبنان. ففي تلك الدول تتشكل الحكومات وتذهب من دون ان تثير غباراً مُلبداً، وفي بعضها الذي يشهد ازمات تشكيل تسير الحياة طبيعية. فالادارات المركزية والمحلية تواصل عملها بانتظام في تأمين الخدمات العامة وتسيير شؤون الدولة ولا تنتظر وزيراً من هنا أو هناك يأتي ومعه عدّة شغله وزبائنه المحظيين.
غير ان الظاهر ان لبنان دولة مختلفة. فهو الغارق في ازماته ويأس ابنائه، لا يجد المسؤولون الرسميون عنه حاجةً ملحةً “لإهدائه” حكومة تقوم بالحد الادنى لضمان الخروج من هذه الازمات ولفتح نافذة على الأمل بدلاً من الغرق في لجة اليأس. وبدلاً من ذلك يُمعنون في ترك حبل المظالم على غاربه، فيما الادارة التي توزّعوها ازلاماً وزبائن تجهد بمن تبقّى من خيّرين فيها لمقاومة موجات الانهيار المتسارعة في الطريق الى جهنم.
إزاء هذا المشهد يعجز المواطن الذي يحملّ هؤلاء “كلّن” المسؤولية عن تقديم تفسير لا يقدّمونه، الا انه يتأكد يوماً بعد يوم من خلاصات اساسية:
أولها انه يخضع لـ”مسؤولين” لا تعنيهم حياة الناس لا في الدنيا ولا في الآخرة، لا في الوطن ولا في المهجر.
ثانيها، ان للتأزم والعجز عن تشكيل حكومة اسبابه الداخلية الوجيهة، وابرزها ضمان مرحلة ما بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وضمان المرحلة الانتقالية بين عهدين.
ثالثاً، ان هذه الاسباب الداخلية تنعقد على اسباب اقليمية تشجّعها وتغذّيها. فالتحالف المهيمن في لبنان، بفريقه الابرز”حزب الله” يتحرك في الشأن الإقليمي بموجب تبعيته لايران التي تستعمل كل نقطة من نقاط نفوذها في مفاوضة القوى الدولية. ولبنان إحدى هذه النقاط حيث تحرص ايران على عدم تقديم خدمات مجانية لفرنسا والاميركيين، فيما هي تخوض معركة العودة للاتفاق النووي بما يضمن رفع العقوبات عنها.
صحيح انه لا يعقل ان تقف القوى الداخلية متفرّجة على الانهيار، ومنها “حزب الله” وحليفه في التفاهم، لكن مصرف الحزب الاصل هو في ايران، اما شريك التفاهم فمصلحته في ضمان موقعه اللاحق في السلطة، وهو لا يمانع ان يكون هذا الموقع رهن الرهان على فوز الممانعة في الإقليم، وقد بكّرَ في اعلان قناعته بشأن هذا الفوز منذ مجيء ادارة بايدن.
أما بعد، فنحن الآن في خضمّ الإعداد للزيارة الثامنة الى قصر بعبدا… وسط حالة من التشاؤل يستمر الرئيس المكلف في ابدائها حتى يقضي الله اعتذاراً مقبولاً، أو أعجوبة يصلّي المواطن المظلوم من أجل تحقّقها.