قصّـةُ «بـقّ البحصَة» كما ترويها مجلة «أوراق لبنانية»(1) تعود: إلى أنَّ البطريرك سمعان عـواد مؤسّس ديـر مشموشة، كان عنده شمّاس مشهورٌ بكثرة السِباب، فأشار إليه أنْ يضـع بحصةً في فمـه تنبِّهُـهُ كلَّما زلَّ لسانُـه بالسبّ، وصـدَف أنْ كان البطريرك مـاراً بإحدى قـرى جزين فسمع امرأةً تناديه: «دخلك يا سيدنا» فظـنّ أنَّ في الأمر سوءاً فرجع ليجـدَ امرأةً تطلب منـهُ أنْ يبارك «القرقة والصيصان»، فغضب البطريرك صارخاً: بـقّ البحصة يا شمّاس.
واليوم… ألاَ يحـقّ لشمّاس البطريرك أنْ يبـقَّ البحصةَ عندما تنهار البلاد وتكون الطبخـةُ الحكومية طبخةَ بحْـص…؟
ألاَ تصبح الشتائمُ مشروعةً والمسبَّةُ صـلاةً عندما تكون المباركة الدينية والسياسية للصيصان…؟
ألا يحـقّ لنا أن نبـقَّ البحصة عندما نـرى طريق القصر الجمهوري أصبحتْ كالسلَّم يصعد عليه رؤساء الحكومة المكلّفون، وينزل عليه النازلون ، يتأبطّون التشكيلة الحكومية كمَـنْ يتأبَّـطُ شـرّاً، ويكتبون أسماء الوزراء كمثل مَـنْ يكتبُ بالمـاء ويمحـو المـاءَ بالمـاء…؟
تُـرى…؟ ما هو هذا السرّ الغامض الذي يجعل التشكيلة الحكومية منذ سنة حتى اليوم، مكتوبةً بالمـاء على البحص…؟
هلْ هي بحصةُ جبـران: «وجبران فولاذي وذكي ونشيط وكفوء ومجتهد وتلميذي…»(2).
أوْ هي بحصة المفاوضات الأميركية – الإيرانية التي تجعل لبنان معلَّقاً على حبـل الملفّ النووي…؟
إذا كانوا يراهنون على هذه الحكومة المستقيلة المطواعة المسكينة الهزيلة التي يُقـرّرُ عنها وباسمها تحسّباً للإنتخابات النيابية المقبلة…
وإذا كانوا يراهنون على عـدم إجـراء الإنتخابات النيابية بحيث يعود إلى المجلس النيابي الحالي إنتخاب الرئيس «البرتقالي» المقبل.
فابشروا إذاً بذلك البحّار الصُوري الذي كـلُّ همِّـه أن يسُكَّ نقوداً يكتب عليها: «عـزٌّ بعد فاقـة الأمير علاّقة» حتى ولو أدّى ذلك إلى سقوط مدينة صـور وقيام الأسطول الفاطمي بتدميرها وإبادةِ أهلها.
أيُّ مجنون هذا، يستطيع أنْ يتحمَّل مسؤولية عـدم قيام حكومة حتى تلك الإستحقاقات، والأرض تتفجّـر بالبراكين، وبيروت تخْتنـقُ بالدخان الأسود، والشعب يحترقُ باللَّهب الجهنّمي ويغرق في طوفان المرض والفقر والجـوع، حيث يأكل الإنسانُ الإنسان، ويعمّ النهب والسلب والخطف والقتل، وثورة الجياع تقتحم القصور بالمعاول، وتقود الملوكَ إلى المقاصل.
هل يدركون أيَّ مجزرة مُرعبة في لبنان يرتكبون…؟ مجزرة تصبح حديث التاريخ، وتُروى للأجيال الصاعدة إلى يـومَ إليه يصعدون.
ولستُ أدري ما إذا كان يدري أو لا يدري، يُدركُ أوْ لا يدرك، يجهلُ أوْ يتجاهل، يفرح أوْ يحـزن، أوْ أنّـه يفرح ويحزن معاً، كمثلِ عـرسٍ من أعراس الهند، إذا ما تحوّل إلى مأتـم تظلُّ الطبول تقرع بالفرح.
لو أنهم يدركون حجم المأساة التي صنعوها والنار التي أوقدوها، لكانوا يرمـون بأنفسهم في «البوسفور» من دون أن يربحوا جميل السلطان عبد الحميد.
من سـوء طالع هذا العهد أنه انطبع بالرهان على التشارين، وعلى تشرين الأول تحديداً.
في: 13 تشرين الأول 1990، لم يكـن الخروج من القصر إلاَّ بعد أن تعرَّض القصر الجمهوري لقصف الطيران السوري.
وفي 17 تشرين الأول 2019 أد َّتْ انتفاضة الشعب إلى «خلخلة مسمار» القصر.
وفي تشرين الأول 2022 نرجو ألاَّ يكون القصر الجمهوري معّرضاً أيضاً للقصف بالطيران.
—————————–
1 – أوراق لبنانية – يوسف ابراهيم يزبك – الجزء: 2.
2– قولٌ للرئيس ميشال عون في مقابلة أجراها لجريدة الجمهورية الصحافي عماد مرمل في 29/3/2021.