منذ سيطرة النظام السوري على لبنان لم يعد لبنان يحكم نفسه بنفسه. قبل السوريين ومعهم “تمتّع” الفلسطينيون لبعض الوقت بهذه الميزة، الى ان خرق الاسرائيليون المعادلة باجتياحهم بيروت ومحاولتهم تنصيب حكمٍ موالٍ لهم.
ومنذ خروج السوريين في اعقاب اغتيال رفيق الحريري انتقلت ميزة التحكّم بالبلد الى نظام آخر له انصاره ومحازبوه.
لم يكن اعلان المسؤولين الايرانيين السيطرة على اربعة عواصم عربية صدفة، بل هو جاء نتيجة “نشاط” وجهد واستثمارات في الدين والسياسة وارتكابات الآخرين. السيطرة على بغداد تمّت بفضل الأميركيين، وكانت العاصمة الأولى، تلتها السيطرة على بيروت في 2008…، ثم دمشق دعماً لنظام الاسد في 2013، فصنعاء مع اتمام الانقلاب الحوثي في العام التالي.
منذ ان تحققت لإيران هذه “الانجازات” لم يعد جائزاً فهم التطورات في البلدان المذكورة خارج سياق المصلحة الايرانية. والمصلحة الايرانية تقتضي الحفاظ على النظام في طهران ورفع العقوبات عنه والاقرار بدوره في الإقليم، بما في ذلك حقّه في التسلّح الصاروخي وحفظ ما يعتبره مداه الحيوي …
بهذا المعنى تتحكّم ايران في الواقع العراقي وتستاء من انفتاح بغداد على عمقها العربي، وتسلّح الحوثيين بما يمكّنهم من إزعاج السعودية، وتتوسّع في سوريا جسرها الى المتوسط، وتُمسك بلبنان رهينة للتفاوض مع الغرب والعرب الذين لا يطمحون الى أكثر من حكومة عادية في هذا البلد!
في كل بقعة من هذه البقاع لإيران تنظيماتها. وفي لبنان لها حزبها الذي تعتبره مثالاً قال عنه الرئيس الجديد ابراهيم رئيسي انه “اصبح اليوم نموذجاً ناجحاً وشاملاً جعل العدو يحاول بكل الطرق الممكنة عرقلة انتشاره…”.
لكن لبنان الغارق في مصائبه يحتاج حكومة والحكومة لا تزال بعيدة المنال.
وفي الاتصال الهاتفي الأخير بين رئيسي والرئيس الفرنسي ماكرون تداول الجانبان في موضوع لبنان، ولنا ان نتوقّع طلباً من ماكرون بتسهيل قيام هذه الحكومة التي يعتبرها الفرنسيون امتحاناً لجهودهم، وكان جواب الرئيس الايراني مليئاً بالتوصيات. قال لماكرون: “نحن نؤيد اي عمل يستهدف الاستقرار والأمن وتحسين الوضع الإقتصادي للشعب اللبناني، ونرحّب بدعم فرنسا في هذا الصدد”.
لا حكومة في القاموس الايراني انما تحسين اوضاع، وربما لذلك يُكتفى بمجلس الدفاع وجدول اعماله الاقتصادي والصحّي التي تحكي عنها يوميات اللبنانيين.