هل يكون الأسبوع الطالع أسبوع الحسم حكومياً؟ لا جواب حاسماً على هذا التساؤل بعد، ولكن الأكيد انّ المراوحة أصبحت قاتلة، ولم يعد في الإمكان مواصلة التفاوض لمجرّد التفاوض، وما لم يتمّ وضع سقف زمني للتأليف او الاعتذار، فإنّ جولات التفاوض ستبقى مفتوحة من دون أفق، فيما التقيُّد بمهلة زمنية يحوّلها مدة ضغط ملزمة على الرئيسين: فإما تأليف او اعتذار، خصوصاً بعد تحديد مكمن العِقَد وحصرها، بما يسهِّل اللجوء إلى أكثر من احتمال وخيار لحلّها.
تكهنات كثيرة وتساؤلات تسود مختلف الأوساط السياسية حول مصير الاستحقاق الحكومي، وتربطه بمصير الباخرة الإيرانية المبحرة الى لبنان، حاملة المحروقات وغيرها من المواد التي يُراد منها التخفيف من وطأة الأزمة الخانقة التي يعيشها اللبنانيون راهناً في مختلف مجالات حياتهم.
بعض هذه التكهنات يتخوف من منع هذه السفينة من الوصول الى لبنان في ضوء «القوطبة» الاميركية، باستجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية للبنان عبر سوريا، والتي طرحت علامات استفهام كبيرة في ضوء «قانون قيصر» الذي تفرض واشنطن بموجبه حصاراً على سوريا.
لكن بعض المتابعين يقولون، انّ الباخرة الإيرانية التي ستليها بواخر أخرى اذا وصلت الى لبنان سليمة معافاة، فإنّ ذلك سيكون مؤشراً الى انّ المفاوضات الجارية على اكثر من جبهة اقليمية، ربما تكون بلغت مراحل متقدّمة، باتت تسمح بعمل جدّي لتفريج أزمات لبنان المتنوعة، بدءاً بتسهيل تأليف الحكومة تنفّذ الإصلاحات الإنقاذية المطلوبة، اما إذا تعذّر دخول هذه الباخرة، فإنّ ذلك سيكون مؤشراً الى بدء جولة جديدة من النزاع على الجبهات الاقليمية، ما قد يُبقي الاستحقاق الحكومي في دائرة التعثر، ويدفع الوضع المالي والإقتصادي والمعيشي الى مزيد من التفاقم، الأمر الذي قد يدفع الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي الى الإعتذار، لأنّه كان أعلن مراراً انّ المهلة التي اعطاها لنفسه لتأليف الحكومة ليست مهلة مفتوحة، وقد يكون حدّها الأقصى نهاية الشهر الجاري. اما إذا لم يعتذر، فسيجد نفسه ملزماً بالإعتصام بالانتظار…
ولكن، بالاستناد إلى الحلّ الجزئي لأزمة المحروقات الخانقة الذي استدعى اجتماعاً طارئاً أول من أمس في القصر الجمهوري، يتبيّن انّ النيات للوصول إلى حلول موجودة، ولو كانت متأخّرة، وعلى الرغم من انّ هذا الحل مؤقت، إلّا انّه قد يخفِّف من حدّة الأزمة، ويسلِّم في شكل أو آخر بقرار مصرف لبنان رفع الدعم عن المحروقات، ولكنه يلجأ إلى تطبيقه بالتدرُّج لكي يعتاد الناس عليه والسعي الى تأمين البدائل، ولكن إن دلّ هذا الأمر على شيء، فعلى انّ نية البحث عن مخارج وتسويات موجودة، وما ينطبق على المحروقات يفترض ان ينسحب على تأليف الحكومة.
وفي الوقت الذي يصرّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تعميم المناخات التفاؤلية، يحافظ الرئيس المكلّف على تفاؤله الحذر، تجنباً لإعطاء الناس وعوداً في غير محلها. ولكنه وعون، يدركان انّ الوقت لا يلعب لمصلحتهما، ليس فقط من زاوية احتقان الشارع الذي يوجِّه غضبه ضدّهما بفعل التأخّر المستمر في تأليف الحكومة، وإنما لناحية منسوب الضغوط الآخذ بالارتفاع ضدّ الرئيس المكلّف من نادي رؤساء الحكومات السابقين وبيئته، وقد بدأ التململ داخل الشارع السنّي يكبر ويتوسَّع، من باب الترويج انّ رئيس الجمهورية لا يريد شريكاً سنّياً، وان ما حصل مع الدكتور مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري سيتكرّر مع ميقاتي.
وقد جاءت مجزرة التليل في عكار لتضاعف من احتقان الشارع السنّي، والذي يُضاف إليه احتقان الشارع اللبناني، بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة، فيما المدخل الوحيد لتنفيس هذا الاحتقان المزدوج يكمن في تأليف الحكومة، وهذا ما يفسِّر التناقض في أداء العهد، بين إصراره على التأليف وخشيته من اعتذار ميقاتي، كون البديل قد يكون متعذّراً، وبين تمسّكه بمطالبه وحصصه من دون أي إرادة للتنازل، وفي حال استمر على هذا المنوال لن يكون مستبعداً ان ينبري البعض الى تحميل عون مسؤولية اعتذار ميقاتي، الذي سيجد نفسه مكبلّاً ومحاصراً بضغوط لا يمكنه الخروج منها سوى بإنهاء مهمته.
على انّ الإشارة التي أعطتها واشنطن من خلال إعلان إهتمامها بإمداد لبنان بالغاز من مصر والكهرباء من الأردن، تريد ان تؤكّد من خلالها انّها حريصة على الاستقرار اللبناني، ما يعني دعمها لتشكيل حكومة قادرة على قيادة البلد، كذلك دعمها للمساعي الفرنسية التي دخلت مجدداً على خط الدفع لإنهاء الفراغ، وبالتالي ستستفيد الحكومة العتيدة في هذه الحال من حاضنة دولية، فضلاً عن رأي عام عريض يراهن على التأليف، لفرملة الانهيار الذي أفقر اللبنانيين. فإذا نجحت حصلت على تأييد الناس، وإذا فشلت لن تُمنح ومعها العهد أي أسباب تخفيفية.
وهناك من يؤكّد انّ الأمور هذا الاسبوع «يا بتحط.. يا بتنط». ويعتبر انّ منسوب التفاؤل يبدو متقدّماً على منسوب التشاؤم، إلّا انّ الأمور مرهونة بخواتيمها، مع الأخذ في الاعتبار وجود فريق يضع العصي في دواليب التأليف لسببين أساسيين: الأول، خشية من ان ينجح ميقاتي في ظلّ ظروف دولية وشعبية مؤاتية، والثاني، بغية فتح معركة رئاسة الجمهورية من البوابة السنّية، لأنّ الاعتذار هذه المرة قد لا يليه تكليف جديد، وإنما مواجهة لإسقاط الرئيس.