لم نعد نصدق أن الحكومة قيد التشكيل، ستخرج إلى الوجود، بخير وسلامة.
منذ ما يزيد على سنة، مرت أمام الملأ اللبناني، ثلاثة مشاريع لتشكيل حكومة. انقضت الأيام والأسابيع والأشهر دون أية ولادة ولو قيصرية وبقي الفراغ هو السيد المطلق، كيف تَشكّلَ كل هذا الفشل، وكيف صادم قرارُ العهد الرأي العام المحلّي، الغاطس حتى الثمالة بمآسي البطالة والجوع والمعاناة بشتى أشكالها وأنواعها، وكيف صادمت مشيئة الحكم اللبناني إرادات المجتمعات الإقليمية والدولية، وكيف تمكن صهر سيد العهد من الإمساك بدفة المشيئات والرغبات والقرارات، وكيف كان استقتال العهد على توريث الرئاسة إلى قريبه في المصاهرة والرأي وتقبل الإجتهادات والنصائح كائنا ما كان شكلها وتوجّهها، وكيف سمح المسؤولون الممسكون بمفاتيح الأحداث والمتجاهلون لآلام الناس ومآسيهم الحياتية التي ألقت بهم في قعر جهنم، وبئس التكهن بهذه الأحوال الجهنمية، وبئس المعاناة وبئس ما بات ينتظر البلاد والعباد من مصير ملتهب كان له مرور مأساوي في جملة من المآسي وفي طليعتها إنفجار المرفأ بأهله وناسه ومنازله التي أطلقت للوجود، مدينة حيّة وعامرة بأسرها، في أجواء الموت والمعاناة والتشرد. دون أن ننسى بالطبع توافق وتطابق المصالح المحلية في إطارها العهدوي مع أجواء وأهواء الخارج الإقليمي الذي مدّ طموحاته إلى جملة من بلاد هذه المنطقة المنكوبة وأطبق عليها، وفي طليعتها لبنان.
حكومة قيد التشكيل لمدة تجاوزت عاما من العجز المديد الحافل بالمداخلات والوساطات في الداخل وفي الخارج، وفي كل الحالات، ورغم نغمات التفاؤل المصطنع التي تبث في قمة كل مرحلة تفاؤلية، يتبين للقاصي والداني وفي طليعتهم وسطاء الخير (الرئيس نبيه بري في الطليعة، مدعوما بكل الحالات بجهود مكثفة من كثيرين في طليعتهم مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم) يستفيق الجميع على واقع مؤسف تبين منه أن التشكيلة الحكومية ما زالت تراوح في العدم، وأن خلف الأكمات التمويهية، كثير من خفايا وخبايا الطموحات الشخصية المدعمة بكل أحلام العهد وأمنياته بصدد توريث المنصب الرئاسي. حكومة قيد التشكيل ما زالت حتى الساعة، ورغم الجهود الحثيثة والمخلصة لآخر الرؤساء المشكلين، الرئيس نجيب ميقاتي، تغوص في بحار من العراقيل والمطبات، وليس من منفذ لها حتى الآن سوى حبل الصبر والتحمل الطويلين للرئيس المكلف، الذي ما زال حتى الآن يمسك بميزان التكليف بكثير من الحنكة والتبصر والرغبة في منع الإنهيار الوطني العام ومن مزيد من الغوص الجهنمي المستمر دون أي توقف، بعد أن تجاوزت نبوءة سيد العهد بوضعية الإنفلات إلى جهنم، واقعا ملموسا له مؤشراته الواضحة في ذلك الهجوم الهائل على الهجرة إلى بلاد الله الواسعة، متمثلة بتلك القوافل الهاربة من المواطنين اللبنانيين وخاصة في المجتمع المسيحي، الذين طغت عليهم قساوة المآسي التي تمر على هذا الوطن مرورا مأساويا لم يشهد له اللبنانيون مثيلا منذ نشأة هذا الوطن المنكوب قبل نحو قرن من الزمان.
وتمر الأيام، وضحك المسؤولين إياهم على ذقون الناس مستمر ومتمادٍ ومتعاظمٍ، واللبنانيون بأحوالهم المعقدة وتفرقهم إلى شيع ومذاهب وأحزاب متناقضة ومتناهضة، عاجزون حتى الآن، عن العثور على علاج ما يبعد عنهم شرور الإمساك بعمق الوطن وأهله وإطارات العيش الكريم فيه بالوضع بالغ السوء والتدهور يقرأ من عنوانه البارز من الحشود المتمادية أمام محطات الوقود، وسواها من المؤشرات الحياتية بالغة الوضوح المذل، ما كانت هذه الظواهر الخطيرة البارزة إلى الوجود، لتمنع الناس، كل الناس، من اللجوء إلى انتفاضة عامة طاغية حتى لا نقول إلى ثورة لا تبقى ولا تذر من كل تجرّؤ السارقين والنهابين والمتآمرين على عيش المواطن وقوته وسلامة أوضاعه الحياتية في كل أساساتها واتجاهاتها والنواحي المأساوية التي تمسك بخناقها.
ولكنه واقعنا اللبناني الغريب العجيب الذي على هول ما مرّ به من أحداث مأساوية طاولت وجوده الكياني وحياة أبنائه المتميزة التي كانت له على مرّ عصور عديدة، على رغم من كل ما طاولها من أحداث وانعكاسات، فهو ما زال حتى الآن يعالج أموره المتهالكة بما لا يتفق مع هولها وعظم الدمار الناشيء عنها والذي يزداد مع مر الأيام بل مر الساعات، أطباقا على عنق الوطن والمواطنين، وجميعنا مع الأسف، نكاد أن نكون غارقين في سبات لا بد لنا من تجاوزه في حالة جهنم الحمراء التي يجتازها الوطن ويزداد إغراقا في التعرض لحالات الخطر البنيوي الهائل الناتج عنها. إلى متى تستمر حالة الضحك على ذقون الناس والإغراق في حالات الذل المميت التي يتعرضون لها.
تساؤلات ما زالت حتى الآن، تنتظر ردود فعل الناس المتناسبة مع حجمها وأثرها الطاغي والمميت. كل يوم تبرز مدعاة تفاؤلية يطلقها أصحاب المصالح والمطامع، ومع مطلع كل شمس، تزداد شكوكنا وتساؤلاتنا السلبية، خلاصة ما نحن فيه، أننا لم نعد نصدق «المزحات» التفاؤلية.