Site icon IMLebanon

حكومة للتركيبة الفاسدة في”لبنان المعطل”

 

 

القراءات متعددة، بطبائع الأمور، في حكومة متعددة “الآباء” برئاسة نجيب ميقاتي. لكن القراءات لا تغيّر شيئاً في تفاهة الإحتفال بالبؤس السياسي في أعمق هاوية إقتصادية ومالية وإجتماعية. فالحكومة بالمفرق تبدو أفضل منها بالجملة. وهي، بحسابات اللعبة السلطوية المحلية شيء، وبحسابات اللعبة الإقليمية والدولية الجيوسياسية شيء آخر. ومن الصعب أن نتصور الحكومة تعمل كفريق واحد وتجري الإصلاحات المطلوبة التي صارت نوعاً من “جواز سفر” عربي ودولي للبنان. إذ هي محكومة بمسار محدد: فخاخ على طريق الولادة الصعبة، ومتاريس على طاولة القرار. فلا من يحتفل بالحصول على الثلث المعطل يعترف بخواء ذلك لأن الواقع أن “لبنان معطّل”، ولا من يرى أن تأليف مثل هذه الحكومة كان ممكناً قبل سنة، يجهل أن وقت المماحكات ودفع الأوضاع الى المزيد من التردي واللبنانيين الى الكثير من الذل كان سياسة منظمة.

 

لماذا؟ لكي يتكيّف اللبنانيون والمجتمع الدولي مع إستحالة تسليم المافيا الحاكمة والمتحكمة بالمطلب الشعبي والدولي، الذي إختصره الرئيس إيمانويل ماكرون بتعبير “حكومة مهمة” إنقاذية من “إختصاصيين مستقلين”، وبالتالي قبول حكومة المحاصصة كأمر واقع. فما كان رفضاً أميركياً وعربياً لحكومة يتمثل فيها “حزب الله” صار تقبلاً أميركياً وأوروبياً، وسط “تطنيش” عربي وتهافت سياسي لبناني، لحكومة يهيمن عليها “حزب الله” بالتحالف مع العهد، ويعطي الضوء الأخضر لتأليفها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. وما كان كلاماً خارجياً ومحلياً على تركيبة سياسية فاسدة وناهبة للمال العام والخاص مع تهديد أميركي وأوروبي بالعقوبات، صار إعادة إعتبار الى هذه التركيبة وتسليماً بأن تكون الحكومة لها.

 

وليس بالشهادات وحدها يتم الحكم على الوزراء. ولا طبعاً بالوظائف التي شغلوها من قبل. فلا بد من ثلاثة معايير أساسية. أولها التاريخ الحقيقي لكل وزير. وثانيها الإرتباط بالزعامة التي سمته. وثالثها إدراك ما تتطلبه الحقيبة التي أُسندت إليه من علم وعمل. طبعاً ليس في لبنان شيء من تقاليد الأنظمة الديموقراطية، كما في أميركا وبريطانيا وفرنسا وكندا وسواها، حيث يتعرض كل وزير معيّن لإمتحان أمام البرلمانيين وينبش الإعلام سيرته وسلوكه، ولا يتم تثبيته من دون النجاح في الإمتحان. حتى في إيران، فإن مجلس الشورى يناقش الوزراء المعينين واحداً واحداً ويعطي أو يحجب الثقة عنه قبل تولي المنصب. أما الإرتباط، فإن كل وزير له مفتاح، وبالتالي الحكومة التي تجتمع ليست “الحكومة” التي تقرر من خارج الغرفة. وأما القدرة على العمل المنفرد في الوزارة والعمل الجماعي في الحكومة، فإنها في لبنان آخر ما يطلبه الزعماء في من يختارونهم.

 

وبهذا المعنى، فإن التركيبة السياسية التي أدارت الدفع نحو الهاوية هي التي تتولى إدارة الخروج منها. وأقل ما يصح فينا هو المثل الإسباني القائل: “لا أحد يتوقع الإجاص من شجر الدردار”.