لا يقتصر التحدّي الذي يواجه لبنان وحكومته الجديدة اليوم على الإنقاذ من الإنهيار المالي والإقتصادي من خلال خطة شاملة لإعادة هيكلة كل القطاعات الرسمية، بل يتخطى هذه الشروط الى شرط عدم السير في أي مشروع أو اقتراح يؤدي الى التمديد للمجلس النيابي الحالي، لا سيما وأن ما يجري التداول به في الأوساط السياسية، وخصوصاً في موقع المعارضة ومجموعات الحراك المدني، حول احتمال إسقاط حق المغتربين في الإنتخاب لأسباب عدة، قد يكون مقدّمة لسيناريوهات إنتخابية مرتقبة، وذلك، على الرغم من الإعلان بأن الحكومة ستجري الإنتخابات النيابية في موعدها الدستوري المحدّد.
وتُشير الأوساط السياسية نفسها، أن التسريبات حول اقتراع المغتربين، تؤكد استحالة حصول هذا الأمر في المرحلة المقبلة، وذلك، في ضوء العقبات اللوجستية والمادية في المرحلة الراهنة، وبالتالي، فإن ظروف إشراك اللبنانيين في الخارج لا تبدو مُتاحة ومُشجعة اليوم، وإن كان أكثر من فريق سياسي قد أعلن أن حق المغتربين في انتخاب ممثيلهم في المجلس النيابي الجديد هو حق مقدّس، ولو انحصر هذا التمثيل بستة مقاعد من حيث المبدأ.
وتتحدث هذه الأوساط، عن نصائح ديبلوماسية وصلت الى مرجعيات سياسية في بيروت، بالعمل على أن تكون الإنتخابات النيابية في موعدها الدستوري، أو حتى قبل هذا الموعد المحدّد في الثامن من أيار من العام المقبل، من أجل إسقاط كل الإحتمالات التي قد تنشأ على خلفية الأوضاع الصعبة مالياً واجتماعياً، وربما أمنياً، فيما لو تكرّرت التحرّكات الشعبية في الشارع، وأدّت الى أمر واقع قد يقود الى تعذّر إجراء الإستحقاق النيابي بسبب المهلة الزمنية القصيرة التي تفصل ما بين انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي وموعد الإنتخابات في أيار 2022. ولذا، ترى الأوساط نفسها، أن تأمين الظروف المناسبة للإنتخابات النيابية، يبدأ منذ اليوم، وذلك من خلال العمل داخل الحكومة على توفير الشروط السياسية واللوجستية والأمنية، من أجل تفادي أي مفاجآت تدفع نحو تعطيل الإستحقاق، وتحول دون ممارسة المواطنين حقهم في اختيار ممثليهم في البرلمان بحرية، وبعيداً عن أية ضغوط وبشكل خاص ضغط المهل الدستورية.
ومن هنا، فإن إجراء الإنتخابات النيابية، وهو مطلب محلي وخارجي، وقد التزمت به حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الذي سيؤمن المناخات الضرورية لإطلاق عملية التغيير والإصلاح التي وعدت بها الحكومة في بيانها الوزاري، حيث تلفت الأوساط نفسها، الى أهمية هذا الإستحقاق على صعيد حصول الحكومة على المساعدات الدولية، في ظل إصرار المجتمع الدولي عليها. وفي كل الأحوال، فإن الساحة الداخلية قد انخرطت باكراً في مدار الإستحقاق الإنتخابي وهو ما تُظهره يومياً الحملات السياسية والإعلامية التي تحمل في طياتها «مزايدات إنتخابية»، ولو أن القوى السياسية والحزبية لم تبدأ بعد ورشتها الداخلية لاختيار مرشحيها، ورسم خارطة تحالفاتها الإنتخابية وتحديد عناوين تحرّكاتها وبرامجها.