IMLebanon

متى تبلغ حكومة لبنان سن الرشد؟

 

يبدو أنّ الحكومة التي اتُّخذ القرار بتشكيلها بعد إتصال هاتفي بين باريس وطهران ووقّعت مراسيمها بعد إتصال آخر بين باريس وبيروت، لم تحظَ حتى الآن بالقدر اليسير من الإهتمام لدى اللبنانيين،ولا يبدو أنها ستكون قادرة على دخول وجدانهم الوطني حتى من قبيل إنتقاد أدائها. لم يتغيّر شيء حتى الآن سوى مسلسل الرحلات من وإلى بعبدا، حتى الثنائي الذي شُكّلت الحكومة لأجله وبشروطه، ونعني حزب الله ورئيس الجمهورية، لديه إهتمامات وأولويات خارج السياق الرسمي بما لا تستطيع الحكومة القيام به. فالحكومة لا تقوى أن تكون جزءاً من مواجهة إقليمية تخوضها طهران، هي أضعف من مجاراة المتغيّرات التي تشهدها المنطقة، كما أنها أضعف من مواكبة أو اتّخاذ أي موقف من الملفات المطروحة، من ترسيم الحدود البحرية وعودة التفاوض غير المباشر – مع تسجيل العجز الكامل حتى عن مجرد التعليق على إنتهاكات العدو لحقوق لبنان – إلى أزمة الكهرباء التي يبدو أنها من المحظورات. حتى أنّ الإجراءات الشكليّة لإطلاق التفاوض مع البنك الدولي وتشكيل الوفد المفاوض لا تبدو من المجالات المتاحة والمسموح لها الخوض بها. في خلاصة القول حكومة لبنان الحقيقية ليست تلك التي أُعلنت مراسيمها بل هناك حكومة أُخرى تمارس سطوتها على اللبنانيين بما في ذلك البرلمان والمؤسسات والقضاء وسائر الإدارات وحتى أعمالهم الفنية ومسرحهم، وهم يدركونها في كلّ ما لا يستطيعون رده أو نقاشه.

 

وبالرغم من الوهن اللبناني على مستوى ما تبقّى من دولة وسلطة، لا بدّ من التوقّف عند عدد من المتغيّرات الإقليمية المتّصلة بمستقبل المنطقة والتي ستلقي بنتائجها على لبنان واللبنانيين، بما يتفق أو يتعارض مع حسابات حكومة لبنان الحقيقية:

 

أولاً:تبلوّر محور عربي لاستعادة سوريا، ولا بدّ في هذا المقام من التأسيس على الدور المتقدّم الذي لعبه الملك عبد الله الثاني في إعادة العلاقات الأردنية السورية إلى أفضل مما كانت عليه قبل اندلاع الحرب السورية، بعد القمّتين المنفصلتين اللتين جمعتاه بالرئيس الأميركي جو بايدن في الأسبوع الثالث من شهر يوليو/تموز والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شهر آب / أغسطس.

 

العاهل الأردني تلقّى أول من أمس الأحد، إتصالاً هاتفياً من الرئيس السوري بشار الأسد، تناول تقدير دمشق لمواقف عمان الأخيرة، بعد أيام قليلة من زيارة وفود رسمية أمنية وإقتصادية رفيعة من سوريا للأردن، أفضت إلى فتح معبر جابر الحدودي الأسبوع الماضي، واستئناف رحلات خطوط الطيران بين البلدين.

 

كسرت عمان الحصار المفروض على دمشق، بعد حصولها على استثناءات محدودة من تطبيق قانون قيصر، من بوابة الإجتماع الوزاري الذي عُقد مطلع الشهر الجاري لدول خط الغاز العربي (مصر والأردن وسوريا ولبنان)، والإتّفاق على إيصال الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا.

 

خطوات عمان لم تأتِ من فراغ، بل أتت إستناداً لوثيقة رسمية سريّة حملت مقاربة جديدة للتعامل مع دمشق، واقترحت خطوات ترمي إلى «تغيير متدرج لسلوك النظام» وصولاً إلى «انسحاب جميع القوات الأجنبية» التي دخلت إلى سوريا بعد عام 2011، مع الإعتراف بـ»المصالح الحيوية» لروسيا في سوريا.

 

هذه الوثيقة كانت موضع نقاش بين قادة عرب، بحيث يضمن الحل إستعادة سيادتها ووحدتها «مرة أخرى من دون التّطرق إلى تغيير سياسي».وأنّ ما جرى في الآونة الأخيرة ليس سوى بعض الخطوات التي تلامس هذه المقاربة الجديدة.

 

ثانياً :الخيارات العسكرية المتاحة، ولا بدّ من التوقّف عند ما أدلى به خلال الأسبوع الأول من الشهر المنصرم،«تال كالمان»، رئيس «شعبة إيران الإستراتيجية» وهي جناح تمّ استحداثه في الجيش الإسرائيلي حول مستقبل الصراع مع إيران، بما يبدو وكأنه تقدير موقف لآليات تطوّر الصراع في ضوء تمدّد النفوذ الإيراني في الدول العربية التي أضحت تحت السيطرة السياسية والأمنية لطهران.

 

يقول كالمان: :أنّ كلّ ما يحدث في الشرق الأوسط مرتبط بإيران التي تبدو مستعدة لدفع أثمان باهظة، وأنّ المواجهة معها ليست نووية فلديها خطط للمواجهات في ساحات أخرى».ويضيف في معرض تقييمه لموازين القوى»أنّإتّفاقات التطبيع من شأنها إنتاج محوّر معتدل لمواجهة المحوّر الإيراني، فهناك دول عربية ستنضم إلى مسار التطبيع». ويفترض «كالمان» أنّ الدول العربية وإسرائيل تنضوي تحت القيادة الوسطى الأميركية مما يعني عملياً أنّهناك تبادل معلومات إستخبارية ولقاءات وتعاون سيفضي إلى حالة دفاع جوي مشترك، كما أنّه سيشكّل عمقاً إضافياً لإسرائيل ويحسّن من فرص التخطيط بشكل أفضل. كالمان الذي لم يحدّد ساعة انطلاق المواجهة توقّع أن تجري المعارك مع إيران في عدة ساحات، فالتهديد الصاروخي لن يقتصر على لبنان لأنّ القدرات الصاروخية ستكون موّزعة على كلّ الساحات، في غزة وسوريا ولبنان وإيران مما يجعل إمكانية التعايش معه مستحيلة. ويخلص إلى الإستنتاج في معرض تقييم الخسائر أنّ إسرائيل ستتعرض لضربات صاروخية مؤلمة ولكن حزب الله سيتلقى ضربة قاتلة وستدفع الدولة اللبنانية ثمناً باهظاً.

 

أمام هذين المعطيين يبرز الإهتمام الدولي بالإستقرار الإقليمي، ويتقدّم في هذا الإطار الدور الروسي المواكب للتطورات والذي يتجاوز حماية إنجازات روسيا ومصالحها في سوريا، ليكتسب بُعدأ إقليمياً تجلى بمواكبة التطورات المتلاحقة، وكان من نتائجها تحقيق الإستقرار في الجنوب السوري لحماية الطريق التجاري الدولي. كذلكلا بدّ من تقييم لقاء وزير الخارجية الروسي لافروف مع نظيره المصري سامح شكري يوم أمس والتي كانت الأزمة السورية في صلب نقاشاتها والإلتزام بالتسويّة وفقاً للقرار 2254، ولقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع جوزيب بوريل الذي أكّد خلاله أنّ الإتّحاد الأوروبي يحاول جمع إيران والمجتمع الدولي.

 

أمام مشاريع النفوذ المفتوحة واحتمالات الحرب أين لبنان من كلّ ذلك، ففيما تخوض الدول تّحديات المواجهة لتحقيق إستقرارها، لا تقوى حكومة لبنان التي أُخرجت الى النور بعملية قيصرية على مواكبة كل ذلك ولا هي على قدر اتّخاذ الخيارات المناسبة لحماية اللبنانيين. فمتى تبلغ حكومة لبنان سن الرشد؟

 

العميد الركن خالد حمادة