IMLebanon

تريث عربي وغربي.. و«حكومة ظل» للإنتفاضة

 

مع واقع «حوار الطرشان» السائد بين السلطة وحكومتها الجديدة، والإنتفاضة وأطرافها المتعددة، لا يبدو أن الوضع اللبناني المتعثر مقبل على مرحلة من التحسن والإنفراج بالسرعة المرجوة، ولا هو قادر على الخروج من الأزمة المالية والنقدية في الأشهر القليلة المقبلة.

 

كما كان يحصل في السابق مع كل كبوة سياسية أو إقتصادية، حيث كانت القطاعات المنتجة والخدماتية «واقفة على رجليها»، والمساعدات العربية السخية خلف الأبواب!

 

تصلب السلطة في تجاهلها لأسباب الغضبة الشعبية، وإنكارها لما حققته الإنتفاضة في الشارع من جهة، وتمسك قيادات الحراك بشعاراتهم، وعدم إستعدادهم للحوار مع رموز الحكم من جهة ثانية، أدّى إلى مزيد من التعقيد في الأزمة الوطنية الراهنة، وإلى زيادة التدهور المالي والنقدي، بشكل غير مسبوق، ووصل إلى مستويات مخيفة من التدني والإنهيار.

 

معارضة الحراك للحكومة الجديدة ليس مفاجئاً، على إعتبار أنها تشكلت في إطار المحاصصات المعهودة بين أحزاب السلطة، ولم تأخذ بعين الإعتبار المبادئ الأساسية التي قامت عليها الإنتفاضة الوطنية الشاملة، وفي مقدمتها إستبعاد الطبقة السياسية الفاسدة، وتأليف حكومة من أهل الكفاءة المستقلين، والمعروفين بنظافة الكف والسمعة الحسنة، في الداخل كما في الأوساط المالية الدولية.

 

لا يمكن إعتبار الحكومة بتركيبتها الحالية بأنها تلبي مطالب الحراك، ولا طبعاً طموح الشباب والشابات الناشطين في الشارع من أجل تحقيق التغيير المطلوب في تركيبة السلطة ورموزها. ولكن ما يجري في الشارع، بعد إختراقات المندسين بين المتظاهرين السلميين، لا يشكل خطراً على الحكومة، ولن يؤدي إلى إسقاطها، بقدر ما سيلحق الضرر بمسار الإنتفاضة، التي وحدت اللبنانيين، من الشمال الى الجنوب، إلى الجبل والبقاع، وتجاوزت الحواجز الطائفية والمناطقية والحزبية الضيقة، وحققت إستنفاراً جماهيرياً قل نظيره في السياسة الداخلية. الأمر الذي يستوجب إعادة النظر بالتكتيكات التي إتبعتها الإنتفاضة حتى عشية إندلاع أعمال التخريب والتكسير في بيروت، بهدف الحفاظ على طابعها السلمي والحضاري الرفيع المستوى، وللحيلولة دون إجهاض المسيرة الوطنية الشاملة على إيدي العناصر المدسوسة والمشاغبة، التي تعدت على الأملاك العامة والخاصة في بيروت، بشكل أثار إستفزاز كل مواطن حريص على صيانة بلده من الخراب، وحماية الإنتفاضة من أية عملية إجهاض خبيثة.

 

الأسبوع الأول للحكومة شابه بعض الإرباك، حيث سارع بعض الوزراء إلى إطلاق تصريحات غير مشجعة قبل إنجاز البيان الوزاري ونيل الثقة البرلمانية، وتحديد السياسة الحكومية في معالجة الأزمات التي يتخبط فيها البلد، ولا سيما في القطاعات المالية والنقدية، والتي إنعكست سلباً على الحالة المعيشية الخانقة بالنسبة للأكثرية الساحقة من اللبنانيين، الذين يئنون من التدابير الإعتباطية والملتبسة التي إتخذتها المصارف، دون أي رادع أو محاسبة من البنك المركزي.

 

وإذا كان مؤيدو الحكومة يطالبون بإعطائها فرصة قبل إدانتها بالعجز والفشل، فإن على رئيس الحكومة المسارعة في مجلس الوزراء إلى طلب إسترداد مشروع الموازنة من مجلس النواب، وإعادة درس بنوده بالتفصيل بالسرعة اللازمة، ولو إقتضى الأمر تنظيم ورشات عمل ماراتونية في السراي، بهدف إدخال بعض الإصلاحات الضرورية في تخفيض الإنفاق ووقف الهدر وتعزيز الموارد، وضرب المحرمات في الموازنات السابقة، وفي مقدمتها: وقف الهدر في الكهرباء والجمارك،  ووقف السرقات في الموانىء البحرية والمطار،واستيفاءحقوق الدولة من الأملاك البحرية المسيّبة، وتحقيق خفض حقيقي في عجز الموازنة، بهدف إرسال الرسائل اللازمة للخارج والداخل على السواء، تؤكد جدية فريق العمل الحكومي في السير على طريق الإصلاحات المالية والإدارية المطلوبة، وفتح الطريق أمام المساعدات والقروض الميسرة الموعودة.

 

ولكن ماذا بالنسبة لموقف الدول العربية من «حكومة اللون الواحد»؟

 

من المبكر الحديث عن موقف عربي داعم للوضع الحكومي الجديد، حيث إلتزمت مواقع القرار الرسمي في مختلف الدول العربية بقواعد التريث الديبلوماسي، بإنتظار القرارات والخطوات الأولى للحكومة، حتى يتم تقييم الموقف الواجب إتخاذه على ضوء الواقع، بعيداً عن الإنطباعات والأفكار السياسية المسبقة، والمرتبطة بالتحالفات الإقليمية للأحزاب المشاركة في الحكومة، والمعروفة بعلاقاتها القوية مع إيران. مما يعني إستبعاد وصول مساعدات أو أي دعم من الدول الخليجية قبل إتضاح معالم سياسة الحكومة داخلياً وخارجياً.

 

وماذا عن مساعدات مؤتمر سيدر والدول الغربية، وموقف الولايات المتحدة؟

 

عواصم القرار الأوروبي، ومعها واشنطن، المتغاضون عن طريقة تسمية رئيس الحكومة، وإقتصار التشكيلة الوزارية على فريق ٨ آذار، ينتظرون السبل التي ستسلكها الحكومة الجديدة، سياسياً وإصلاحياً، حتى يبنوا على الشيء مقتضاه،  خاصة في ملفين أساسيين: الإصلاحات المالية والنقدية والإدارية في الداخل أولاً، وتطبيق سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية ثانياً. مما يعني إعادة تقييم حزب الله لإستراتيجيته الحالية، التي أوصلته إلى اليمن والبحرين والعراق وسوريا..مروراً بغزة!

 

كيف سيتعامل الحراك مع الحكومة الجديدة..، وهل ستستمر التحركات في الشارع؟

 

في ظل الإشكالية الراهنة المهيمنة على العلاقات بين الطرفين، من الخطورة بمكان الإكتفاء بالتظاهر فقط من قبل الحراك، نظراً للإختراقات السائدة في الشارع والتي تستهدف نقاوة الحراك وتشويه صورة الإنتفاضة السلمية.

 

إن الحفاظ على زخم الثورة ومصداقيتها وجهوزيتها، يقتضي من القيادات المعنية المبادرة إلى تحويل الشعارات إلى بنود تُحدد الأولويات، في إطار برنامج عمل، يتضمن آليات تنفيذية تساهم في تسريع الخطوات الإصلاحية، على أن يتم تشكيل هيئة من القيادات الموثوقة، تكون بمثابة «حكومة ظل» تتابع أعمال الحكومة وجدية مشاريعها الإصلاحية، وتكون بمثابة عين الإنتفاضة وأداتها لتحقيق الأهداف التي خرج اللبنانيون من أجلها إلى الشارع قبل ١٠٠ يوم !