لا يزال الحذر المشوب بالإيجابية يسود المشهد الداخلي، غداة تسجيل حدثين بارزين في الأيام الماضية ، الأول تمثّل بإعلان وزراء الثنائي «حركة أمل» وحزب الله، عودة وزرائهما إلى المشاركة بجلسات مجلس الوزراء، والثاني التراجع اللافت في سعر صرف الدولار والذي انعكس في أكثر من قطاع، إلاّ أن ما يعزز الهواجس من احتمال عودة التوتر مجدداً إلى هذا المشهد، قد وضعته مصادر سياسية مطلعة، في إطار ما ستحمله الجلسة المرتقبة للحكومة والتي ستحدد مسار المرحلة المقبلة لجهة استمرار الشرط الموضوع من قبل الثنائي الشيعي، بالمشاركة فقط في الجلسات المتعلقة بإقرار الموازنة وخطة التعافي الإقتصادي والمالي، أو تخطّي هذا الشرط إلى بحث عنوانين أساسين سيعودان إلى الواجهة بقوة مع مطلع شهر آذار المقبل، هما ترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيليوالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، من دون إسقاط ملف الإنتخابات النيابية المقبلة.
وترى المصادر إنه من الصعب أن تبقى اجتماعات الحكومة، تحت هذا السقف، لأن اللحظة الداخلية تستدعي إجراءات مالية وقضائية وإنتخابية، وبالتالي وبعد إنجاز مناقشة مشروع الموازنة العامة، والذي قد يتطلب نحو شهر من الوقت، سوف يحين أوان المفوضات مع الصندوق وخطة التعافي، وهو ما قد يستغرق أيضاً بضعة أسابيع، وبعده سيحين موعد الإستحقاق الإنتخابي، ومن غير الجائز العودة إلى تعليق الجلسات الحكومية مجدداً بعد إقرار العنوانين اللذين كان وضعهما وزراء الثنائي كشرط للعودة للجلسات الحكومية.
وفي هذا الإطار،ثمة اعتقادٌ راسخ لدى المصادر النيابية المطلعة، بأن أكثر من سيناريو قد بدأ يتبلورعلىالمستوى الحكومي، في الأسابيع المقبلة، خصوصاً وأن كل مكوّن في الحكومة، لديه حساباته الخاصة، وهي التي تحدد الإتجاهات النهائية لمسار الملفات المذكورة وعلى وجه الخصوص ملف الترسيم، وبالتالي فإن أي حديث عن تسويات أو بالحدّ الأدنى مناورات سياسية قد تشهدها طاولة مجلس الوزراء، لا يتطابق مع كل ما تمّ التوافق عليه قبل قرار الثنائي الشيعي، والذي لم يكن منعزلاً عن التنسيق ما بين الأطراف السياسية المعنية والرئاسات الثلاث، والذي تلا المشاورات التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، في قصر بعبدا خلال الأسبوع الماضي من أجل عرض المواقف المتعلقة بدعوته إلى الحوار الوطني بين كل الأطراف السياسية والأحزاب والتيارات.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، تقول المصادر المطلعة نفسها، أن تفعيل المحرّكات الحكومية ثم النيابية ، هو بمثابة المدخل إلى مرحلة سياسية جديدة، ولكن الحذر سوف يستمر في المشهد العام، خصوصاً وان الساحة الداخلية على موعد مع استحقاقات محلية لم يعد من الممكن تأجيلها أو ترحيلها بانتظار نضوج ظروف التسويات المرتقبة على الصعيد الإقليمي تحديداً ، وفي مقدمة هذه الإستحقاقات الموازنة ، التي ستؤسس لإعادة الحياة إلى الدولة من جهة، وسوف تعبّر عن الواقع الحقيقي على الصعيد المالي والعجز في الخزينة العامة من جهةٍ أخرى.