في العلن هي جلسة لمناقشة “ملف الزبالة”، وعلى هامشها مشاورات ومباحثات لتمرير جلسة اقرار خطة النهوض بقطاع الكهرباء “على خير وسلامة”، حيث ان وجهات النظر “فارقة من السما للارض” بين الاطراف المختلفة، خصوصا ان دسامة تحقيق “انجاز كهربائي” لا تضر عشية الاستحقاق الانتخابي، وان كان مرحليا.
فملف الكهرباء عالق بين “سلفة ” من هنا، يدفع عدم اقرارها في موعدها عند الاستحقاق الى استعانة كهرباء لبنان بمخزون الجيش الاستراتيجي من المازوت، و “موافقة” من هناك، باتت اسيرة الحسابات الاستراتيجية الكبرى في المنطقة، وفقا لما بينته الزيارة الاخيرة للوسيط الاميركي اموس هوكشتاين الى بيروت، وما بينهما من حسابات داخلية ضيقة تبدأ بهيئة ناظمة “مش راكبة” رغم ان الرئيس نجيب ميقاتي مصرّعلى انشائها، ولا تنتهي بخطط “خيالية” للنهوض في القطاع لطالما اعتمدت على “تدفيع” المواطن ثمن عجز الدولة ومؤسساتها، فيما المافيا المتحكمة “نايمة على سبع خرزات من ضهرها”.
صحيح ان “الوزير الجغل” الذي كسر كل القواعد البروتوكولية المعروفة، بمسرحيات وتمثيليات لطيفة وخفيفة، ليس آخرها ارساله لخطته بالانكليزية للوزراء على “غروب الواتساب الحكومي”، خلافا للاصول والاعراف، “عن نية طيبة”، الا انه اصطدم “بجهل” بعض الوزراء للغة العام السام، لثقافتهم الفرنسية، ما ضيع وقتا اضافيا لحين ترجمتها وتخصيص جلسة لها يوم الجمعة، سيكون محلها الاساسي سير رئيس الحكومة بالخطة، هو الذي اعترض عليها انطلاقا من مبدأ “يا كهربا يا بلاها من اصلها”، رغم محاولات تلطيف هذا الموقف والتخفيف من حدته، اخفاء للصراع القائم.
ومن النقاط العالقة، تعيين هيئة ناظمة، حيث تشير المصادر الى ان ثمة خلاف حول هذا الملف اذ ان فريق العهد يرفض السير بتعيينات على اساس المحاصصة في هذا الملف، فالتيار الوطني الحر الذي خاض معارك “حكومية” للاستحواذ على وزارة الطاقة والمياه، جاعلا منها وزارة “سيادية” وفقا لما يردد البرتقاليون، لن يسلموا بسهولة تحجيم وسحب صلاحيات الوزير لصالح الهيئة. فالعهد يريد تحقيق نقاط لصالحه منذ انطلاقه في ملف الكهرباء، معتبرا ان فشل خطته تتحملها قيادات الطبقة الحاكمة.
فالقانون 462 الصادر عام 2002 والذي نَصّ على وجوب تعيين هيئة ناظمة للقطاع، كان من ضمن “السلة الاصلاحية” التي قدمتها حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الى مؤتمرات الدعم التي انعقدت في باريس، والذي بقيت حبرا على ورق رغم كل المساعدات التي قدمت في هذا المجال مع تنصّل لبنان من الوفاء بالتزامه لاسباب عديدة. امر زاد تعقيدا مع تقديم التيار الوطني الحر عام 2010 مشروع قانون لتعديل القانون 462 ينصّ على تحديد مهام الهيئة بأعمال إداريّة محددة وسحب كل الصلاحيات منها ووضعها في عُهدة وزير الطاقة، خلافا للهدف من انشائها.
اللافت ان خطة وزير الطاقة ترتكز الى تعديل هذا القانون قبل السير بتطبيقه، وهو ما يستدعي توافقا سياسيا غير متوفر حاليا، ولن يكون اقله قبل الاستحقاق الانتخابي.
اما النقطة الثانية والاهم ترتبط بمافيا استيراد الفيول والمازوت، والتي لن يكون من السهل تفكيكها او ضربها، اذ انه ورغم الازمة المالية وتراجع امكاناتها الا انها ما زالت قوية بما يكفي للدفاع عن مصالحها، خصوصا ان الاعتماد على الغاز المصري الذي سيصار الى تمويله من خلال البنك الدولي سيكون من خارج “حساباتها”، لذلك لن تكون هناك اي خطة لا تحفظ لكارتيل اصحاب المولدات بالاستحواذ على حصة من السوق، رغم “طعم” وزير الطاقة حول التعرفات والحصص التي ستوزع بين الدولة و “قطاع الانتاج الخاص للكهرباء” راهنا. نقطة قد تكون من اهم العقبات الاساسية ولعلها الابرز امام اي اصلاح في هذا القطاع،على ما تشير المصادر.
ولعل من ابرز العقد، والتي باتت مسالة “مين اجا قبل مين البيضة او الدجاجة”، اذ ان الولايات المتحدة الاميركية لم تقدم حتى الساعة كتاب الضمانات الذي تطالب به مصر، رغم “الوعد الشفهي” الذي سمعه وزير الطاقة من “الاصدقاء الاميركيين”، حيث تربط واشنطن بين عملية السير باقرار خطة اصلاحية كاملة للكهرباء، متحججة بالبنك الدولي صاحب التمويل، باعتبار شروطه ملزمة في هذا الخصوص.
اضف الى ذلك اعتبار اوساط سياسية ان الموافقة الاميركية المبدئية قد دخلت باب المساومات والتسويات، وسط حديث عن ربط هذا الملف بملف ترسيم الحدود واحداث خرق على هذا الصعيد، اذ يبدو ان سياسة الجزرة والعصا قد نفعت في تحقيق الكثير، داعية الى انتظار مفاجآت في الفترة الممتدة بين منتصف آذار ونهايته، على صعيد الغاز المصري والكهرباء الاردنية.
هذه عينة من دولة لبنان واداء سلطتها الحاكمة. فهل حان الوقت للخروج من “بوز القنينة”؟ وهل ما كان عصيا قبلا بات ممكنا اليوم؟ كل المؤشرات تدل الى ان الامور باقية على حالها وما يطرح لا يعدو كونه عملية ترقيع. “فكما حنا كما حنين”، خصوصا اذا ما علمنا ان اصلاح هذا القطاع نتيجته الاولى تفكك المنظومة الحاكمة التي تقاسمت خيراته لسنوات، وهو امر لن يكون عالبارد.