المعارضة مستكينة بإنتظار انجازات الحكومة خلال المائة يوم الأولى وعينها على الانتخابات المبكرة
“الحكومة كما يُؤكّد رئيسها لا تعمل بكيدية سياسية وانتقامية ضد معارضيها”
يبدو ان قوى المعارضة النيابية للحكومة مستكينة الى حد كبير هذه الايام، لسببين: الاول، بانتظار انجازات المائة يوم الاولى من عمرها والتي حددت لها عناوين اصلاحية اولية تبدأ بمكافحة الفساد مع كل ما يتوجب عليه من تشريعات واجراءات، ولا تنتهي بإقرار السلطة القضائية المستقلة، الى جانب اجراءات ادارية واقتصادية ومالية اخرى. والثاني، ان الحكومة لا تعمل بكيدية سياسية انتقامية وتشفٍ من القوى السياسية التي تمثلت بالحكومة السابقة واتخذت الان خيار المعارضة، فلم تلجأ الى إقصاء كبار موظفين الدولة الاداريين والامنيين المحسوبين على تلك القوى.
واذا كانت قوى المعارضة قد امهلت الحكومة بعض الوقت، وتعهدت علناً بالاشادة بها إن احسنت وانتقادها إن اخطأت لتصويب الاداء، فإن هذا الكلام السياسي بحاجة لترجمة عملية لأن مواقف بعض اركان المعارضة لا سيما القوات اللبنانية تحكم سلفاً على الحكومة بالفشل، كما اعلن الدكتور سميرجعجع، وهذا لا يُبشّر بأن القوات ستترك الحكومة وشأنها، بينما تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي يتعاطيان مع الحكومة بطريقة اهدأ، وظهر ذلك في مواقف الرئيس سعد الحريري خلال احياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط، وفي مواقف رئيس التقدمي وليد جنبلاط وبعض اركان الحزب، برغم تصويبهم على ملف الكهرباء، استهدافاً للتيار الوطني الحر، الذي تولى حقيبة الطاقة اكثر من مرة، ولم ينجح في معالجة الازمة، بالرغم من ان احصاء اجراه التيار خَلُص الى نتيجة مفادها «ان وزراء التيار تولوا حقيبة الطاقة بنسبة 13 في المائة، بينما تولاها وزراء من خارج التيار بنسبة 83 في المائة منذ التسعينيات حتى الان»، باستثناء وزير الطاقة الراحل جورج افرام الذي اقيل من منصبه بسبب عدم موافقة الحكومة وقتها على خطة الكهرباء التي أعدّها.
ويبدو من خلال إداء الحكومة الجديدة، ان الخلافات والصراعات فيها لا زالت غير قائمة، ربما لأن الشغل الجد لم يحصل بعد، ولم يعقد مجلس الوزراء سوى جلسة واحدة بعد نيل الثقة، واليوم تعقد الجلسة الثانية للبحث في خطة الانقاذ المالي والاقتصادي والمشاريع الملحّة التي تعهد بها البيان الوزاري. لكن «المكتوب يُقرأ من عنوانه»، فلو كانت هناك توجهات او نوايا خلافية لظهرت اولاً من خلال عمل اللجنة الوزارية التي كُلّفت إعداد البيان الوزاري، ولظهرت ثانياً في اجتماعات العمل التي يعقدها الرئيس حسان دياب مع كل الوزراء، ولم يظهر خلالها إلاّ كل إنسجام بين الوزراء والتوجه الى العمل بصمت كما طلب الرئيس دياب من كل الوزراء.
واذا كانت بعض الاوساط المحت الى احتمال حصول خلاف بين الوزراء الذين اقترحهم كلّ من التيار الوطني الحر وتيار المردة، فإن طبيعة هؤلاء الوزراء التقنية، وطبيعة الحكومة واهدافها واصرارها على تحقيق انجازات ما لمعالجة المشكلات القائمة، ستحول دون حصول اي خلاف، حتى لو استمر الخلاف الصامت بين التيار الحر والمردة، مع انه في مرحلة برودة حالياً، والمعركة قائمة بشكل اساسي من خارج الحكومة بين التيار الحر وكلٍّ من تيار المستقبل والقوات اللبنانية. لكن خلافات هذه القوى الثلاث لن تنعكس بأي شكل على العمل الحكومي، لأن الرئيس دياب صارم في إبعاد اي خلاف سياسي او حرتقات سياسية او مواقف فئوية عن العمل الحكومي.
ولعل قوى المعارضة قررت سلفاً الدفع باتجاه تحقيق عناوين سياسية عامة كبيرة، ظهرت من خلال مواقف تيار المستقبل والحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وتيار الوسط المستقل، لعل ابرزها الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة، بهدف محاولة تغيير المعادلات والتوازنات السياسية القائمة، والتي انتجت اكثرية نيابية بغير ما تشتهي قوى المعارضة الجديدة. وقد عبر عن ذلك تيار المستقبل في بيانه امس، وسبقه كل من سميرجعجع ووليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي بدعوات للانتخابات المبكرة وبتقديم اقتراحات قوانين انتخابية جديدة.
لكن بغض النظر عن نوايا المعارضة بطرح الانتخابات المبكرة، فإن اجراءها لن يكون بالامر السهل او القريب، طالما ان الاكثرية النيابية قد تعارضها في هذا التوقيت، او قد تحاول هي ايضاً طرح قانون انتخابي يلائمها اسوة بما تفكر به المعارضة.
كما يظهر ان اولوية الحكومة الان كما قال وزير الاشغال ميشال نجار لـ «اللواء»، «هي لمعالجة موضوع سندات اليوروبوند والازمة المالية والنقدية، وهو ما سيركز عليه مجلس الوزراء في جلسته قبل ظهر اليوم، كما ستستمر المناقشات واستطلاع آراء الخبراء اللبنانيين ومن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حول سبل المعالجة للوصول الى الحل الافضل والاقل ضرراً على لبنان، مع تفضيل إعادة جدولة الديون والاستحقاقات إذا امكن ذلك».
على هذا يبدو مطلب المعارضة إجراء انتخابات نيابية مبكرة من باب تسجيل موقف اعتراضي على التركيبة السياسية الحالية بتوازناتها التي باتت لا ترضيها، مع انها كانت جزءاً اساسياً في صنعها عند حصول «التسوية الرئاسية» التي حصلت بين المستقبل والتيار الحر، برضى ثنائي امل وحزب الله وكل القوى السياسية الاخرى بما فيها القوات اللبنانية، والتي انتجت تفاهماً استمر ثلاث سنوات، فرضت الظروف والمتغيرات والضغوط الخارجية اكثر من المتغيرات الداخلية فرطه ودفنه، وبدء التصويب على العهد والتيار الحر وحزب الله وسلاحه، كونهم – مع حركة «امل» والحلفاء الاخرين- اطراف معادلة باتت لا ترضي كل اطراف الداخل، ولا الخارج الاميركي والغربي بشكل عام، مع بدء التحضير لتنفيذ «صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية.