Site icon IMLebanon

الحكومة في مواجهة الأزمة: خطط متعددة ولا صدمة إيجابية بعد

 

كان الانطباع الذي خرج به وفد صندوق النقد الدولي كفيلاً بأن يظهر عمق الأزمة، ليس لجهة حجم الانهيار المالي والاقتصادي الحاصل، وإنما لضعف البنية السياسية في مواجهتها، وانعدام الرؤى، والاختلاف على توصيف الواقع وسبل معالجته. شعر الوفد الذي أمضى قرابة الاسبوع في لبنان مستطلعاً أجواء المسؤولين، بأنه لا توجد في لبنان خطة ولا سياق واضح لأي خطة أو أي مؤشر يفيد من أين تبدأ الأزمة المالية وأين تنتهي. تكوّنت لديه فكرة بأن لبنان مقسوم ولديه اقتراحات مشاريع عدة. وكلما قابل مسؤولاً تحدّث إليه عن مجموعة أفكار، لم تكن كلّها صيغاً رسمية يمكن البناء عليها.

 

وهذا هو الواقع الذي تتحدّث عنه أوساط متابعة للعمل الحكومي، فتميّز بين توجهين. هناك رئيس الحكومة الذي يرغب في أن تبدأ معالجة حكومته للأزمة المالية من الصفر، بينما يرى آخرون ممن ساهموا في تشكيل الحكومة أن “هناك أكثر من خطة يمكن الركون اليها، إلا أن رئيس الحكومة يريد الانطلاق من الصفر وهذا أمر يلزمه وقت وجهد كبيران بينما المطلوب تحقيق إنجازات في فترة قياسية من شأنها ان تريح الناس”.

 

تقدّر الجهات الداعمة لعمل رئيس الحكومة جهده الدوؤب لحلّ الأزمة، لكنها تعتبر أن البيان الوزاري لم يأخذ أيّاً من الأوراق والاقتراحات التي سبق وأقرّت والتي ورد بعضها في موازنة العام 2020. فضلاً عن مقررات ورقة الحوار الإقتصادي الذي شاركت فيه كل القوى السياسية، “وهذه خطط وأفكار اقتصادية يمكن الاستفادة منها وإعادة عرضها على المسؤولين”.

 

يعبّر ما تقدم عن اختلاف في وجهات النظر بين رئيس يريد أن تكون له خطته ومعالجته وفريق عمله، وآخر لا تستهويه مسألة القفز فوق كل ما أعد وكأنه لم يكن.

 

يمكن للمراقب ملاحظة تحفظات على الأداء والعمل داخل الفريق الحكومي، فرئيس الحكومة لا يروق له مثلاً استمهال بعض الوزراء عند كل كبيرة أو صغيرة للرد بعد المراجعة. لا يريد ان يتم التعامل معه بالأسلوب نفسه الذي اتبعوه مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. في المقابل ثمة من يعتب على رئيس الحكومة لتأخره في إصدار القرارات العاجلة التي من شأنها أن تظهر الفرق او تخفف من التشنج. مؤخراً سأل رئيس الجمهورية ميشال عون رئيس الحكومة: ما المانع في ان تطلب الى المصارف تحرير المودعين تحت 200 ألف دولار فيرتاح البلد من الضغط الحاصل ويتم ضخ السيولة، فكان ردّه أنه سيبحث مع جمعية المصارف في الأمر.

 

عتب آخر مرتبط بتلزيم المشاريع، ففي موضوع الكهرباء عبّر الجانب الفرنسي عن انزعاجه لأن يتم الاتفاق مع شركة مالية أميركية لمفاوضات حول عدم دفع اليوروبوندز، بينما فرنسا هي الوحيدة التي تحاول مساعدة لبنان. وتقول المعلومات إن وزيرة الدفاع هي من اختارت الشركة الأميركية وان العتب الفرنسي كان كبيراً، وعبّر عنه صراحة السفير الفرنسي في لبنان في مجلس خاص قائلاً: إن فرنسا منخرطة بالمساعدة ويجب ان تتنبهوا الى موضوع اختيار الشركات، خصوصاً ان الشركة الفرنسية أكبر من الاميركية التي تم تكليفها.

 

كل من يجالس رئيس الحكومة يخرج بانطباع بأن دياب يصارع على أكثر من جبهة داخلية وخارجية، ربما كانت أولى علاته التشكيلة الحكومية الباهتة لوزراء معظمهم لا يملك دراية بحقيقة عمل الوزير وصلاحياته ومهامه، ليس بيدهم البت بالامور، ويكاد يكون بعضهم عاجزاً عن اتخاذ القرار قبل سيل من المراجعات والأخذ والرد. فأي خطط سيتمكن هؤلاء من وضعها للنهوض بوزاراتهم اذا كانوا ليسوا على دراية كافية بملفاتهم ولا بصلاحياتهم، “هناك وزير طلب خلال انعقاد لجنة الاتصالات ممن لديه سؤال من النواب حول ملف الاتصالات مراجعته في مكتبه، غائباً عن باله أن السلطة التشريعية هي من يحق لها استدعاء الوزراء لمساءلتهم وليس العكس”.

 

لا يقتصر الأمر على الإرباك داخل الحكومة، بل يتعداه إلى الخصوم. ولم يكن الكلام الذي قاله رئيس الحكومة داخل مجلس الوزراء إلا غيضاً من فيض ما يتحمله. تقول مصادره إنه بدأت تتوافر لديه معلومات ومعطيات حول تحريض يمارسه لبنانيون ضد الحكومة من شأنه ان ينعكس سلباً على البلد وأهله. حتى ان أحد نواب العاصمة لم يتردد في الطلب إلى السفير الفرنسي عدم تقديم أي معونة للحكومة إذا أمكن، فما كان من السفير الفرنسي إلا أن أجابه أن بلاده مصرة على تقديم يد العون للبنان لتجاوز محنته المالية.

 

يعتبر رئيس الحكومة أن لبنان بلد ديموقراطي ولا مشكلة لديه بالمواقف المعارضة للحكومة لكن ما يحصل يؤدي للإضرار بلبنان وبأي امكانية للنهوض. بات يؤمن ان ثمة جزءاً من الطبقة السياسية لا يريد له أن ينجح لان نحاجه هو بمثابة إعلان فشل لتلك الطبقة.

 

لكن مشكلة تقليعة الحكومة لا تتوقف على الجهات التي تهاجمها، بل إن قدرتها على الإنجاز تكاد تكون موضع امتحان صعب. حتى من ساهم او سهل تشكيلها تراه لا يراهن كثيراً على نجاحها لكونها لا تتعامل حتى اليوم كحكومة إنقاذ، ويتساءل إن كانت ستبقى مقيدة بموضوع مكافحة الفساد وغيره من المواضيع، وإذا كان كذلك فما الفرق بين حكومة سياسية وبين حكومة أهل الاختصاص؟