Site icon IMLebanon

سلطة للإنقاذ.. أم لإدارة الأزمة ؟

 

 

 

الضجة المحيطة بإستحقاقات اليوروبوند كشفت حجم التحديات، والتعقيدات  المحيطة بالخيارات المتاحة أمام الحكومة، في بلد شبه مفلس، وفي ظروف بالغة الخطورة، في  ظل العقوبات الأميركية، وما تسببه من حصار مالي، يزيد من تداعياته التأخر الرسمي في  إطلاق ورشة الإصلاحات الموعودة.

 

الإشكالية التي تواجه القرار الحكومي تكمن في عدم القدرة علي التحكم بنتائج  أية خطوة يتم إتخاذها : إتخاذ قرار بالدفع لن يُنقذ سمعة البلد الذي تتقاذفه أمواج الإفلاس المالي والسياسي، ولن يُساعد في التقدم خطوات على طريق حل المشاكل الإقتصادية  والمعيشية المتراكمة. كما أن حسم قرار عدم الدفع لن يُؤدي إلى إنهاء مشكلة السيولة، والتعثر  الحاصل في الحركة الإقتصادية والمصرفية، فضلاً عما يلحق بالتصنيف المالي والإئتماني من  أضرار بالدولة اللبنانية والمؤسسات المصرفية.

 

الواقع أن الخروج من مأزق الإستحقاقات المتتابعة لسندات اليوروبوند، يتطلب وجود إستراتيجية جريئة لإعادة هيكلة المديونية العامة وإستحقاقاتها المختلفة، وفي الوقت  نفسه إطلاق عملية الإصلاحات التي ما زالت حبراً على ورق، وبعث الرسائل المناسبة للدول  المانحة، بأن ساعة الإصلاح قد دقت في لبنان، وأن الحكومة عازمة على فرض إجراءات تقشفية حقيقية لتخفيض العجز بالموازنة، ووقف الهدر ومكافحة الفساد ، وإسترداد ما أمكن من الأموال  المنهوبة.

 

مداهمة مواعيد الإستحقاقات لم تعد تسمح بترف النقاش والتنظير، والرهان على  حصول معجزات في اللحظات الأخيرة، بقدر ما يجب توفر الشجاعة اللازمة من أهل الحكم  لتجرُّع الكأس المرّة، ومصارحة الناس بالأعباء الواجب تحملها جميعاً، وخاصة المنظومة  السياسية وأزلامها في الإدارات العامة، للعمل معاً على الخروج من هذا النفق المالي المظلم،  وإستعادة بعض الثقة التي سُفكت على مذبح المحاصصات الفاضحة والمغانم الرخيصة لأهل  السلطة.

 

اللبنانيون مستعدون لتحمل نصيبهم من مقتضيات مرحلة التقشف وشد الحزام،  شرط أن تكون جزءاً لا يتجزأ من خطة إصلاحية شاملة، تتحمل فيها الدولة العبء الأساس، عبر  إجراءات جدية تخفف من حجم القطاع العام وتوفر في الإنفاق غير المجدي، وتوقف الهدر  والفساد الحاصل في الكهرباء والقطاعات الأخرى، وتستعيد حقوق الخزينة من الأملاك البحرية،  وتُنهي الأوضاع الشاذة حالياً في الجمارك والموانئ البحرية والبرية والجوية، وتُلاحق  المتهرّبين من دفع الضرائب، ومعظمهم من أصحاب الأعمال الكبار، ومالكي الثروات الكبيرة .

 

صحيح أن كثيراً من البلدان الأخرى مرت بأزمات مشابهة لما نعاني منه حالياً، ولكن الفارق يبقى بطرق المعالجة السريعة والناجعة التي لجأت إليها الدول الأخرى، لوقف  الإنحدار، ومنع الإنهيار، والعمل على إستعادة التوازن للوضع الإقتصادي والمالي ضمن خطة  ممنهجة، تسير مراحلها وفق روزمانة واضحة ومعلنة.

 

لبنان لم يصل بعد إلى مرحلة تحديد خياراته، ووضع الخطة الإنقاذية المنشودة، رغم مرور أكثر من أربعة أشهر من التردي والإنهيارات المتتالية في مختلف القطاعات الإقتصادية  والمالية، والمفاجأة كانت أن حكومة «الإختصاصيين» إستعانت بشركات مالية وقانونية  متخصصة بالديون المتعثرة، بحجة مساعدتها في تجاوز الإستحقاقات المقبلة بأقل كلفة ممكنة على سمعة البلد الخارجية، وبما يحفظ القطاع المصرفي المحلي من الإنهيار.

 

إعادة هيكلة الدين العام وحدها لا تكفي، إذا لم تقترن بخطط إنمائية وإقتصادية مدروسة، تهدف إلى تحريك العجلة الإقتصادية من جديد، وتكبير حجم الإقتصاد الوطني، وإلغاء كل التدابير الحالية في المصارف التي من شأنها خنق النشاط الإقتصادي، وتعطيل ماكينة الإنتاج في مختلف القطاعات، وتجميد رؤوس الأموال في صناديق المصارف، التي  تورطت في لعبة صولد جشعة مقابل الفوائد العالية في هندسات البنك المركزي المالية، وفي  الإكتتاب بسندات الخزينة والحصول على مكاسب مغرية.

 

في دول العالم التي تعرضت لمثل أزمتنا الراهنة ، تم إتخاذ إجراءات إنقاذية  مدروسة وسريعة، اعتمدت بمجملها على ضخ السيولة بنسب مبرمجة في الأسواق، وتخفيض  معدلات الفائدة إلى أرقام جد متدنية، وصلت إلى 0،25بالمئة في بعض البلدان، فضلاً عن  تشجيع خطوات جدولة ديون القطاعين العام والخاص، بهدف توفير السيولة للقطاعات الإنتاجية واسترداد أنفاسها بأسرع وقت ممكن.أي بعكس ما يجري حالياً في لبنان!

 

تُرى هل نحن أمام سلطة تعمل للإنقاذ..، أم تكتفي بإدارة الأزمة، إلى أن يقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولاً، سواء بالنسبة للعهد محلياً، أم للتسويات إقليمياً، أو العقوبات دولياً؟