IMLebanon

إهتزاز حكومي في زمن “كورونا”

 

خلال زيارته عين التينة فهم رئيس الحكومة حسان دياب أن رئيس مجلس النواب نبيه بري ليس في وارد السير بمشروع “الكابيتال كونترول”. لم يكن الإجتماع بالإيجابية التي تم تصويرها. فالرئيسان لا يزالان متباعدين في الأفكار والتوجهات كما في النظرة الى مقاربة الملفات المطروحة، وأهمها “الكابيتال كونترول” والتعيينات في المراكز المالية الملحة أي لجنة الرقابة على المصارف ونواب حاكم مصرف لبنان، فضلاً عن التعاطي الحاصل مع رئيس الحكومة من الحلفاء قبل الخصوم.

 

قد لا يستسيغ دياب أن وزيراً أساسياً هو وزير المال غازي وزني تقدم قبل فترة من مجلس الوزراء باقتراح قانون “كابيتال كونترول”، ثم عاد وطلب سحبه من النقاش بعد أن تم طرحه على طاولة البحث. نقطة لا تصب في صالح الحكومة ولا تبشر بخير المقبل من الأيام. بات واضحاً أن داخل حكومة اللون السياسي الواحد عملية شد حبال وسيطرة بين أطرافها الحلفاء المفترضين، ممن باتت نقطة التقاطع في ما بينهم هي محاولة تطويع رئيس الحكومة وإحكام الطوق حوله.

 

“الكابيتال كونترول”

 

ما إن طرح الموضوع للبحث حتى نفض بعض الأطراف اليد منه بعد أن تعرّف الى أبعاده وما يترتب عليه. إنطلقت فكرة الحكومة في مشروع “الكابيتال كونترول” من تنظيم العلاقة بين المودع والمصارف، لا سيما بعد مترتبات السابع عشر من تشرين على أن يتضمن مقررات لها علاقة برؤوس الأموال الكبرى.

 

حاول وزير المال تمرير “الكابيتال كونترول” بالتفاهم مع الرئيس بري. أبدى رئيس الجمهورية كما “التيار الوطني الحر” انفتاحهما على المشروع، خصوصاً في ضوء الأجواء التي بينت جدواه في معالجة الازمة المالية الطارئة، الى أن جاءت تقارير خبراء اقتصاديين تنصح الثنائي الشيعي بأن “الكابيتال كونترول” من شأنه أن يعمّق انعدام الثقة بين المودعين والمصارف. واذا كان الناس يخزنون في منازلهم ما يقارب 6 الى 7 مليارات دولار، فمن لديه ثقة لإيداع أمواله مجدداً لدى المصارف حتى ولو كانت الحوافز على شكل fresh money؟

 

نصح الخبراء أيضاً أنه طالما لبنان متجه للتنقيب عن النفط وستمنح الشركات فرصة الإستثمار في هذا المجال، فهل ستجرؤ أي شركة على فتح اعتماد لعملها بوجود “الكابيتال كونترول”. ثم هل سيجرؤ المغتربون على تحويل أموالهم الى لبنان مجدداً في ظل قانون “الكابيتال كونترول”. من هنا طلب الى وزير المال التراجع عنه. خطوة لم تكن في المسار الصحيح من وجهة نظر رئيس الحكومة الذي كان يفضل لو أكمل المشروع طريقه الى مجلس النواب، لإضافة التعديلات عليه او رفضه عملاً بمسألة فصل السلطات، وليس ان يتم الضغط على الوزير لسحب القرار الذي بات عرضة إلى أن يصبح مجمداً ويسحب من التداول محدثاً إحباطاً داخل الحكومة.

 

خلاف التعيينات

 

المسألة الخلافية الثانية هي التعيينات في المواقع المالية نظراً إلى حاجتها ومن بينها نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف. وفيما يجزم رئيس الحكومة ان البحث أرجئ أسبوعاً للتشاور، علم أن التعيينات باتت على محك الإقرار لخلاف حاصل على الأسماء والحصص. وعلى سبيل المثال لا الحصر يقترح دياب وائل الزين نائب حاكم أول فيما يبدو بري مصراً على اسم وسيم منصوري. ويطالب رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية بمنصب مفوض الحكومة.

 

لكن بات واضحاً ان تكتلاً قوامه بري فرنجية ووليد جنبلاط لا يريدون لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أن يعود الى دوره السابق، في السيطرة على كامل الحصة المسيحية في التعيينات والاحتكار في ملف الكهرباء.

 

يرى الثنائي الشيعي أن “طرح التعيينات في مثل ظرفنا الحالي غير مفيد لأسباب عدة أهمها أنها غير ناضجة ولم يتم الاتفاق في شأنها بعد. يتركز الإهتمام اليوم على مواجهة “كورونا” قبل اي استحقاق آخر، خصوصاً أن المساعدات الدولية التي كانت موعودة بعد إجراء الاصلاحات لم تعد ممكنة وقد غرقت كل الدول في محاربة النتائج الكارثية لانتشار الوباء على أراضيها، من فرنسا المنكوبة الى ايطاليا المنهارة واميركا الهشة في محاربة المرض، ما يعني أن لا اموال ولا مساعدات لا عبر صندوق النقد ولا غيره في الوقت الحاضر”.

 

لا يعتبر رئيس الحكومة نفسه معنياً بحسابات فلان وفلان. يرفض إعادة تعيين أشخاص سبق وان كانوا أعضاء في هيئات الرقابة او نواباً للحاكم، ويريد سلة جديدة من الاسماء مفضلاً ترشيح عدد من الاسماء للاختيار من بينها.

 

منزعج رئيس الحكومة وفق ما تنقل أوساطه من تسييس الملفات المطروحة للمعالجة، علماً انه وحكومته تكنوقراط، يقاربون المسائل بعيداً من السياسية، واذا كان “الكابيتال كونترول” قوبل بمثل رد الفعل الذي حصل، فكيف سيكون التعاطي لدى مناقشة خطة الحكومة المالية وهيكلة المصارف وضمنها مصرف لبنان؟

 

الإنطباع الذي تولد على خلفية مناقشة “الكابيتال كونترول” والتعيينات المالية وكأن هناك من لا يزال يتعاطى مع الحكومة بالذهنية السابقة أو كأن “17 تشرين” لم تكن، والبلد ليس مهدداً مالياً واقتصادياً وصحياً بفعل إنتشار “كورونا”. فريق لا يزال على موقفه من عدم الاعتراف بالآخرين، وآخر يهدد بالإنسحاب من الحكومة اذا لم ينل حصته. لكن هل هذا يجعل مصير الحكومة مهدداً في زمن “كورونا”؟

 

ليست المرة الاولى التي يسود فيها الخلاف في وجهات النظر داخل الحكومة ما يطمئن الاطراف الممثلة فيها الى انها غير معرضة للاهتزاز، ولكن أي انجازات تلك التي يمكن ان تخرج من رحم المناكفات؟