يخطئ الفريق الحكومي إذا ما اعتبر أن هذه الفترة المقتطعة من الزمن بسبب فيروس كورونا هي فترة سماح أو وقت إضافي، يسمح له بالتنصل من قرارات حاسمة لا بدّ منها لتلافي الإنهيار الكامل، او للإلتفاف على مطالب الثورة لا سيما في ما يتعلق بالإصلاحات وضرورة تغيير جذري في نمط الحكم.
صحيح أن الحجر المنزلي، والذي بالمناسبة إنطلق بمبادرة من المجتمع المدني أولاً، أخلى الطرقات والساحات من المعترضين على الأداء الحكومي وخلق نوعاً من المتنفس للطبقة الحاكمة فرفع عنها، أقله خلال فترة إنتشار الوباء القاتل، شبح إسقاطها في الشارع، غير أن الإقتصاد بكامل محركاته متوقف، وأصبح بدوره في حالة حجر. وهذا يشي أن الأمور ذاهبة لا محال إلى انفجار إجتماعي. وما هدوء كورونا سوى هدوء ما قبل العاصفة.
فوضع لبنان أصعب بكثير من وضع سائر الدول التي صعقها الوباء فانهارت أمامه الأسواق المالية والمؤسسات بما فيها تلك العملاقة. فالبلد الصغير الذي أعلن إفلاسه وتوقف عن سداد مستحقاته، فقد كل الأدوات الإقتصادية ورافعات التأثير، فلا هامش في المالية العامة يسمح للحكومة بتقديمات عينية كما هي الحال في بريطانيا وسائر الدول الأوروبية، ولا وضع القطاع النقدي والمصرفي يسمح بتخفيض أسعار الفائدة أو بإعطاء أي حافز لقطاع الإنتاج على غرار ما نشهده في الولايات المتحدة ودول صناعية أخرى.
صحيح أن المصرف المركزي عبر التعميم 547 حاول اللحاق بركاب الدول الملتزمة خدمة شعوبها خاصة في الأزمات، عارضاً إقراض المصارف بفائدة صفر، ولكن على مسؤوليتها كما جاء في التعميم. وهذا بحد ذاته يطرح ملاحظتين: أولاً ماذا لو لم تستجب المصارف لهذا الطلب وقد يكون لها أسبابها وهي غارقة في مشاكلها؟ ثانياً هل يجوز رمي الكرة في ملعب المصارف، حيث أن مسؤولية مواجهة أزمة من هذا النوع تقع فقط على عاتق السلطات، في شقيها السياسي والمالي؟ والمصارف في هذا الإطار ليست سوى قنوات تنفيذية لقرارات حكومية.
أمام هذا الواقع المرير، وبعد مضي أكثر من شهرين على تأليفها وأكثر من ثلاثة أشهر على تكليفها، لم نرَ حتى الساعة خطة هذه الحكومة العتيدة. لم نرَ سوى عناوين فضفاضة زينت البيان الوزاري، وتتكرر عند لقاء المسؤولين الدوليين أو حاملي السندات المتعثرة. فعلام الإنتظار وهدر الوقت، والإصلاحات معروفة وملفاتها حاضرة لا تنتظر سوى قرارات تنفيذية. والقرار الأهم الذي فرض نفسه على الجميع، يختصر بالإجابة على سؤال بديهي وبغاية البساطة: هل لبنان مستعد لطلب مساعدة مالية من صندوق النقد نعم لا؟ الإجابة لا تتطلب لا اسابيع ولا أياماً، ولا حتى ساعات، بل ما تتطلبه هو قرار شجاع ريادي لا يأخذ في الإعتبار سوى المصلحة اللبنانية.
الحكومة مطالبة بقرار واضح بالذهاب إلى صندوق النقد أولاً، وبخطة تبنى على هذا القرار ثانياً. فمن دون هذين الأمرين،عبثاً يحاولون الترقيع واجتزاء الحلول، واختراع كابيتال كونترول من هنا “وتدقيق” لمصرف لبنان من هناك، هي حلول على الطريقة اللبنانية، حلول خاضعة للعبة المحاصصة والمقايضة، لا تمت إلى المصلحة العامة بشيء. ومن دون خطة إقتصادية تتضمن برنامجاً إنقاذياً تحت رعاية صندوق النقد عبثاً يحاولون إقناع الدول المانحة، وعبثاً يفاوضون حاملي السندات.
الحكومات السابقة هدرت الوقت والأموال. حذار اليوم تكرار الخطأ وهدر الفرصة الأخيرة.