Site icon IMLebanon

حكومة «الإنقاذ» بحاجة لمن يُنقذها و«كورونا» تمنحها فترة سماح وتؤجل سقوطها

 

بعدما فشلت في حل الأزمة المتدحرجة وتصاعد الخلافات بين مكوّناتها حول التعيينات وغيرها

 

 

عندما شُكلت حكومة الرئيس حسان دياب قبل ما يناهز الشهرين على أساس انها حكومة اختصاصيين مستقلين «تكنوقراط» استجابة لمطالب الحراك الشعبي المتفاعل بالشارع آنذاك، وليست حكومة سياسية تقليدية كما جرت العادة سابقاً، كي تتولى مهمة حل المشكلة المالية والاقتصادية المتدهورة وإنقاذ لبنان من تداعياتها ونتائجها الخطيرة واطلقت عليها اسم حكومة «الانقاذ» منذ ذلك الحين.

 

ولكن التسمية لم تتطابق مع الشعارات والوعود المعلنة، لأن معظم الوزراء تمت تسميتهم من قبل مرجعياتهم السياسية من تحت لتحت باستثناء قلة محدودة منهم وانكشفت فيما بعد للرأي العام المحسوبيات وتقاسم الوزارات بين القوى السياسية التي تدعم الحكومة بالرغم من كل أساليب الخداع والتمويه التي لجأت إليها، ومن يومها لم يعد بالإمكان تسمية الحكومة بحكومة الاختصاصيين المستقلين، بل حكومة تعكس ميول وتوجهات ومطامح هذه القوى الداعمة.

 

انطلقت الحكومة الجديدة في مهماتها تحت عناوين ووعود حل الأزمة المالية والاقتصادية، كونها حكومة تأخذ بعين الاعتبار المطالب الأساسية المطروحة من اللبنانيين ولن تنحاز باتجاه مطالب أطراف مؤيدة أو أخرى خارج السلطة أو لا تتوافق معها سياسياً.

 

في البداية، أُعطيت حكومة دياب فرصة سماح مؤاتية من القوى السياسية التي لم تشارك بالحكومة، تيّار «المستقبل»، الحزب التقدمي الاشتراكي و«القوات اللبنانية»، ولم تواجه بمعارضة جدّية كما هو حال الحكومات في العادة، وكان لكل من هذه القوى حجته في هذا الشأن، البعض يعتبر انه يجب التريث لمعرفة كيفية ممارسات وأداء الحكومة قبل معارضتها، في حين رأت قوى أخرى ان وجود الحكومة في هذا الظرف بالذات أفضل من الفراغ ولذلك لا بدّ من انتظار سياستها وكيفية تصرفها لتنفيذ المهمات المنوطة بها ويجب اعطاءها الوقت الطبيعي الكافي قبل الحكم عليها وإطلاق المعارضة ضدها.

 

في خضم الأداء السياسي السيئ والمتردي للحكومة الأوضاع تتردّى أكثر من السابق نحو الأسوأ

 

ويمكن القول ان الحكومة استمرت لأسابيع وما زالت تقريباً بدون وجود معارضة سياسية ضدها بالتزامن مع تراجع ملحوظ للانتفاضة الشعبية بالشارع، باستثناء ما يصدر من دعوات للنصح من هنا أو تصويب الأداء والتحرك بسرعة للمعالجة من هناك.

 

وبدلاً من ان يستغل رئيس الحكومة اجواء التهدئة السياسية المؤاتية نسبياً ويوظف فرصة السماح المعطاة للحكومة من قبل القوى السياسية المعارضة والحراك الشعبي معاً للانطلاق قدماً للبدء عملياً بتنفيذ خطة الانقاذ المطلوبة والمباشرة بسلسلة خطوات تمهيدية تخفف بعضاً من فوضى الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي عن كاهل المواطنين «مكافحة الغلاء المستشري، تحريك مؤسسات الدولة على اختلافها، تحديد سقوفات مقبولة لسحوبات المواطنين من اموالهم بالمصارف» وجد نفسه غارقاً في حالة من التخبط والعجز شبه الكلي مع فريقه الوزاري بالتزامن مع صراعات مستفحلة بين القوى السياسية الداعمة للحكومة للاستئثار والهيمنة على القرار السياسي والسلطوي والتشبث بمراكز القوى فيها والمحافظة على المكتسبات المادية والمعنوية في المواقع والوزارات والإدارات الحكومية على اختلافها.

 

إزاء هذا الواقع الذي لا ينسجم مع وعود رئيس الحكومة للبنانيين بأنه «تحـمّل المسؤولية الصعبة في هذا الظرف لإنقاذ البلد في هذا الظرف بالذات» كما قال في مواقفه أكثر من مرّة، يبدو ان هناك من اقنع دياب ولا سيما من الفريق الرئاسي بأن أفضل أسلوب لتبرير بطء حركة الحكومة وعجزها عن اتخاذ القرارات السريعة المطلوبة لمعالجة الأوضاع هو إلقاء مسؤولية التردي الحاصل وصعوبة حل الأزمة المالية على «التركة الثقيلة وسياسات الحريرية السياسية على مدى الثلاثين الماضية»، وهو نفس الشعار الكاذب الذي روّج له رئيس التيار العوني جبران باسيل منذ استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، وقد كرّر دياب هذا الموقف أكثر من مرّة ولا سيما بعد انعقاد مجلس الوزراء في بعبدا.

 

وبدا واضحاً ان محاولة رئيس الحكومة لاستجداء اشتباك سياسي مع المعارضة، تخفي وراءها ما تخفي، ليس فقط لتغطية تلكؤ الحكومة عن القيام بالخطوات السريعة للمباشرة بمهمة الانقاذ فقط، بل أبعد من ذلك إلى ما تكشفت عنه نوايا القوى الداعمة للحكومة وفي مقدمتهم «التيار العوني» لتكريس سيطرته على قطاع الكهرباء والاستمرار في الاستفادة المادية الواسعة التي يجنيها منه بالرغم من فشله المزمن بالنهوض بهذا القطاع من جهة والانقضاض على المواقع والمراكز الوظيفية المهمة في القطاع الحكومي، من جهة ثانية، كما ظهر جلياً بعد ذلك مقابل بعض الفتات الوظيفي الشكلي لرئيس الحكومة، وبالطبع لم تفرمل أزمة تفشي فيروس «كورونا» التي استحوذت على اهتمامات النّاس كلهم، وشلت حركة البلاد والعباد معاً، محاولات الاستئثار والتسلط لإقرار خطة التبديل الوظيفي، بل زادتها جموحاً وجشعاً وكأن كل ما يحصل من مضاعفات سلبية وهلع صحي وتردٍ اقتصادي واجتماعي لم يسبق له مثيل، لم يعد من أولويات الحكومة واهتماماتها في هذا الوقت بالذات. وبهذه التصرفات واندفاع «التيار العوني» تحت غطاء رئيس الحكومة لخطف المراكز الوظيفية المهمة، في هذا الظرف الصعب والحساس، تفاعل الخلاف مع مكونات الحكومة السياسية الأخرى على توزيع الحصص والمواقع والمكتسبات، وانفجر الخلاف رفضاً لاستئثار «التيار العوني» بالمواقع المسيحية وغيرها بعدما اعترض علناً «تيار المردة» على ذلك ثم تفاعل الخلاف مع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي أيضاً على هذه النوايا المبيتة للهيمنة على هذه المواقع في حيّن زاد الخلاف على الإجراءات والسياسة المتبعة لمكافحة فيروس «كورونا»، إن كان بالنسبة لضرورة إعلان حالة الطوارئ من قبل الحكومة لتلافي توسع انتشار هذا الوباء اسوة بالدول الأخرى كما طالب برّي مراراً أو في ما يتعلق بالتجاوب الحكومي لإقرار خطة لإعادة من يرغب من المغتربين واللبنانيين في الخارج إلى بلدهم.

 

في ظل تفاعل الخلاف بين مكونات الحكومة وتحديداً بين رئيسها ورئيس المجلس النيابي على خلفية رفض الأخير لإقرار مشروع قانون «كابيتال كونترول» ثم تجدد الخلاف حول رفض رئيس الحكومة التجاوب مع مطلب برّي لاعلان حالة الطوارئ لمواجهة أزمة تفشي وباء «كورونا» وبعدها بسبب التباطؤ الحكومي في إقرار خطة حكومية لتسريع إعادة المغتربين اللبنانيين ممن يرغبون بالعودة إلى بلدهم هرباً من تفشي هذا الفيروس بالخارج، ومن ثم كان الدخول العلني للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لحسم الجدل نهائياً حول رفض إعلان حالة الطوارئ ومؤيداً الحكومة بهذا الخصوص ولو انه أوحى بشكل غير مباشر بأن هذا القرار يتعارض مع مصلحة الحزب.

 

وهكذا في خضم الأداء السياسي السيئ والمتردي للحكومة التي كانت تَعِد اللبنانيين بخطوات وإجراءات وقرارات مهمة للتخفيف من الأزمة الاقتصادية المستفحلة ولكنها لا تفعل شيئاً، بينما لوحظ ان الأوضاع تتردى أكثر من السابق نحو الأسوأ.

 

وفي حين كان ينتظر النّاس خطوات ملموسة ومتقدمة لمواجهة «كورونا» وتداعياتها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي بعد سلسلة الإجراءات الحكومية المتخذة، فوجئ اللبنانيون بتسريع خطى الحكومة لاجراء سلسلة تعيينات وتبديلات بالمراكز الوظيفية المالية المهمة بالدولة، ما أدى إلى تفاعل الخلافات بين مكونات الحكومة بعد انكشاف نوايا مبيتة لوضع يد «التيار العوني» على معظم هذه المراكز مستغلاً انشغال الجميع بأزمة كورونا.

 

ومع استفحال الخلافات المعلنة والتي باتت تُهدّد انتظام عمل الحكومة، يبدو ان أزمة «كورونا» قد تعيق انزلاق الوضع الحكومي نحو الأسوأ حالياً، في حين ان تداعيات الخلافات الناشبة حالياً ضعضعت مهمة الحكومة وزادت في شل حركتها.

 

معروف الداعوق