Site icon IMLebanon

حروب قديمة بشعارات جديدة!

 

الثقة السياسية الهزيلة التي تتمتع بها الحكومة الحالية فضلاً عن “طفرة” المستشارين واللجان، و”التردد” كسمة رئيسية للحكم؛ تجعل التوقعات من الأداء والعمل أقل بكثير مما هو منتظر فعلاً، وهذه مسألة خطيرة وصعبة ومعقدة قياساً لحجم التحديات الهائلة وغير المسبوقة التي يمر بها لبنان على مستويي وباء “كورونا” والواقع المالي والنقدي الذي كان سبق تفشي الوباء وكان ينذر بعواقب إجتماعية خطيرة على كل الاصعدة.

 

الملاحظ أن الأطراف السياسية التي دعمت الحكومة الحالية ومنحتها ثقتها (المشروطة سياسياً) لا تتوانى عن “هز العصا” لها عند كل منعطف، فأين التشكيلات القضائية، وماذا عن مرسوم كتاب العدل، وسائر التعيينات التي تضغط قوى سياسية وازنة لتمرير محسوبياتها من دون إعطاء أي اعتبار لمعيار “الكفاءة” الذي تتغنى فيه الحكومة بأدبياتها؟ هل ستطبق الحكومة المحصاصة في مواقع معينة ارضاء لتلك القوى السياسية مقابل “الكفاءة” في مواقع أخرى لإنقاذ ماء الوجه؟ ألا يسقط هذا السلوك وحدة المعايير التي يفترض بالحكومة أن تحترمها قبل سواها وهي التي رفعت شعارات براقة في هذا المجال؟

 

لا شك أن القوى إياها مستعدة لسحب البساط من تحت أقدام الحكومة الراهنة فتطوقها وتعطل عملها. وهذه القوى بالمناسبة، لديها باع طويل وخبرة عميقة في تعطيل المؤسسات الدستورية وشل قدرتها على العمل لمطالب لم تكن يوماً بعيدة عن المحاصصة والمشاركة في الحكم، ولو أنها كانت تغلفها دائماً بشعارات رنانة مثل “الميثاقية” إلا أنها كانت فارغة المضمون ولا تعدو كونها محاولة شعبوية حثيثة ومستمرة للهاث خلف الأصوات الانتخابية حتى ولو أدى ذلك إلى إعادة تأجيج الصراع السياسي في البلد برمته!

 

واضح أن الحكومة الراهنة التي رفعت شعار الاستقلالية التامة عن القوى السياسية تسقط عند كل منعطف وكل امتحان، وهذا الكلام من باب توصيف الواقع وليس تبنيه بالضرورة. فاذا كان النظام  السياسي اللبناني غير جاهز لقيام حكومة كهذه، فالأفضل مصارحة اللبنانيين بدل ادعاء الاستقلالية وممارسة العكس! فهل تسري الاستقلالية على أطراف دون سواها؟

 

ليس المطلوب إجهاض فكرة حكومة أصحاب الاختصاص (مع أن بعضهم لم يُوزر في موقع اختصاصه أصلاً) ولو أن التركيبة اللبنانية تجعل هذا الخيار صعباً للغاية بفعل التداخل والتشابك الكبير على كل المستويات، ولكن المطلوب التوقف عن خداع اللبنانيين برفع شعارات معينة وممارسة عكسها، والاقلاع عن محاولة اقناع الشعب اللبناني أن الواقع الحكومي مغاير لكل المحاولات السابقة وأن التغيير الإصلاحي الكبير والمنتظر قد انطلقت عجلته!

 

هذا الكلام ليس صحيحاً. مقاربة ملف الكهرباء لا تزال على حالها من دون تغيير يذكر، وهي تستنزف نحو 40 بالمئة من الموازنة العامة، وهي الحقيبة التي تولاها  تيار سياسي واحد منذ نحو عشر سنوات، وهو التيار الذي تمثل في إحدى الحكومات بعشرة وزراء، ولا يزال الكلام ذاته والمنطق ذاته: القوى الأخرى لم تسمح لنا بتنفيذ خطة الكهرباء! إن لم تكن الخطة تتضمن الصفقات المطلوبة من قبل هذا التيار، فإنها لا تُطلق، والدليل هو الاصرار الدائم على الخيارات الأكثر كلفة  والاقل استدامة، وهو ما يعاكس المنطق العلمي والتقني والهندسي والمالي!

 

في زمن ما بعد “كورونا” الذي لا ندري متى سيحين أو كيف سيكون شكله وعناصره وطبيعته، سيكون لبنان أمام منعطفات خطيرة تتطلب خيارات قاسية وصعبة ومؤلمة على كل المستويات. الأكيد أن المقاربات الحالية أضعف من أن تستطيع مواجهتها ومقاربتها، وهي أساساً قائمة على معطيات خاطئة على كل الاصعدة.

 

نقطة الانطلاق تكون عبر مصارحة اللبنانيين حيال حقيقة الواقع الحالي وحجم التدخلات السياسية لأطراف معينة تريد فرض ارادتها بأي ثمن إنطلاقاً من جوعها المزمن للسلطة ومن مقاربتها الالغائية التي كانت نهجها وأسلوبها منذ آواخر الثمانينات ومطلع التسعينات.

 

هل نسيتم حربي التحرير والإلغاء؟ إنها الحرب ذاتها ولو تغيرت البزة والأدوات والشعارات!