ليس بالتهديد بفرض منع التجوّل، ولا بتشديد تدابير سير المركبات، ولا بالإحصاءات التطمينية، وحدها ينتصر لبنان في حربه على وباء الكورونا، لأن كل تلك التدابير، على أهميتها، لا تؤمّن مقوّمات الصمود للأكثرية الساحقة من اللبنانيين القابعين في منازلهم، تجنباً للوقوع بين براثن هذا الفيروس الذي يجتاح العالم، وفضح كرتونية الدول التي كانت مصنفة حتى الأمس القريب في خانة الدول العظمى، اقتصادياً وسلطوياً، علمياً وحضارياً.
أعلنت الحكومة التعبئة العامة قبل بضعة أسابيع، ولكن لم تأخذ في الاعتبار مستلزمات بقاء الناس في منازلهم، والانقطاع عن أعمالهم، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود، والطبقات الفقيرة، التي لا تستطيع الحصول على قوتها اليومي، إذا لم يخرج ربّ العائلة إلى عمله مع كل إشراقة شمس، ومنهم سائقو السيارات العمومية، والمياومون في الدولة، والعمّال الذين يتقاضون أجورهم باليومية، فضلاً عن أصحاب الحرف الصغيرة، الذين يقتاتون من إنتاجهم اليومي.
في دول العالم الأخرى أعلنت الحكومات حالات الطوارئ، وخوض الحرب ضد الكورونا، مشفوعة بسلسلة من التدابير الفورية، التي تؤمّن حاجات مواطنيها المالية، لتمكينهم من البقاء في الحجر المنزلي، وعدم اضطرارهم للخروج سعياً وراء لقمة العيش.
تم تخصيص المليارات في الدول الغنية لمساعدة ملايين المواطنين الذين خسروا وظائفهم، وأولئك الذين لا يملكون ما يعتاشون منه في زمن الكورونا، كما حرصوا على توفير الدعم لآلاف الشركات والمصانع المتوقفة عن العمل، والمهددة بالإفلاس.
أما في لبنان، فما زالت سياسة «النقار والنقير»، والتسابق المحموم على الحصص في السلطة، والتفرّد بالسيطرة على المراكز الحسّاسة في الدولة، هي الشغل الشاغل لأهل الحكم، من دون خجل أو وجل، وكأن البلد ما زال في وضعه الطبيعي، وكأن الدولة ما زالت «البقرة الحلوب» لصفقاتهم، وكأن الأوضاع المالية ما زالت تتحمّل تداعيات النهب والفساد التي أوصلت الخزينة إلى الإفلاس.
العالم كله مشغول في الإعداد لمواجهة المضاعفات المدمرة على الاقتصاديات العالمية، والبحث في الخطط القادرة على التصدي للانهيارات المتوقعة في البنية الاجتماعية، وعلى الهيكليات الاقتصادية القائمة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتهديدات المحيطة بالتكتلات الدولية والإقليمية، حيث يكثر الحديث عن قيام نظام عالمي جديد يُطيح بقواعد النظام الحالي.
والدولة في لبنان ما زالت عاجزة عن إنجاز التعيينات الأساسية في البنك المركزي والقضاء والإدارات العامة، وما زالت تاركة الحبل على غاربه للمصارف والصرافين للتلاعب بلقمة عيش أربعة ملايين لبناني، يعيشون مآسي حرمانهم من جنى العمر، ومن حق الحصول على أموالهم لدفع أقساط أولادهم، أو تأمين حاجياتهم الضرورية من استشفاء ودواء، ومتطلبات عيشهم الكريم.
اجتماعات اللجان الوزارية المستمرة على مدار الساعة، لم تتوصل بعد إلى طرح خطة عمل مقنعة ومُطمئنة للبنانيين في معالجة سلسلة الأزمات التي يتخبّط فيها البلد، وإيقاف الانحدار المخيف نحو الإفلاس والانهيار الشامل، وذلك لأسباب عديدة، في مقدمتها التدخلات السياسية التقليدية التي يسعى كل طرف منها إلى تفصيل الحل المناسب على قياس مصالحه، من دون أدنى مراعاة لمتطلبات إنقاذ السفينة قبل غرقها بالكامل!
وإذا كانت لجنة الأزمة لمواجهة حرب الكورونا تنشط للحد من الخسائر، وإبقاء الوضع تحت السيطرة، ماذا تفعل اللجان الاقتصادية والمالية المولجة بوضع «خطة الإنقاذ»، وإخراج اقتصاد البلد من العناية الفائقة قبل فوات الأوان، وعندها لا تنفع كل الخطط والمعالجات؟
الانشغال بالتصدّي للكورونا لا يُبرّر هدر المزيد من الوقت في بلورة الخطة الاقتصادية والمالية الملائمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن يهوي البلد إلى قعر الإفلاس الكامل.
فهل يُدرك أهل الحكم إلى أي درك سينقلبون؟