حسم رئيس مجلس النواب نبيه بري الأمر وحدد موعداً لجلسة تشريعية تبدأ عند الحادية عشرة من قبل ظهر أيام الثلثاء والأربعاء والخميس في 21 و22 و23 الجاري في قصر الاونيسكو، لدرس وإقرار مشاريع واقتراحات مدرجة في جدول أعمال يضمّ 66 بنداً موزعة بين مشاريع قوانين واردة بمراسيم، اقتراحات قوانين، واقتراحات قوانين معجّلة مكررة.
اذاً، ستكون الحكومة على موعد مع أول امتحان لعلاقتها مع السلطة التشريعية، وهي علاقة يحيط بها الالتباس من كل جوانب بعدما كشّرت المعارضة عن أنيابها حين قررت الحكومة وضع خطتها المالية على طاولة النقاش والبحث: فهل ستستثمر المعارضة وقوف الحكومة على منصّة مجلس النواب لتشنّ حملة شرسة توقع خلالها الخطة المالية بالضربة القاضية؟ هل ستتمكن هذه القوى من تشكيل جبهة معارضة تواجه فيها اجراءات حكومة حسان دياب؟ أم أنّ الظروف لا تزال غير ناضجة؟ أين سيكون الرئيس بري من هذه المواجهة في حال وقوعها؟
ففي الأيام الأخيرة، وبعدما شرّعت الحكومة باب النقاش الساخن حول ورقتها المالية، اتخذت مواقف القوى السياسية التي رفضت الانضمام إلى الائتلاف الداعم لحكومة دياب، منحى تصاعدياً ينذر بهبوب عاصفة الاعتراض بحجة أنّ الخطة غير النهائية، هي مدخل للانقلاب على اتفاق “الطائف” ووضع اليدّ على القطاع المصرفي ومصادرة أموال المودعين… حتى وصلت الأمور برئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إلى استخدام النعوت الشخصية في وصفه أداء رئيس الحكومة.
الملفت أنّ هجمة ثلاثي “المستقبل”- “الاشتراكي”- “القوات” ترافقت مع تحذيرات علنية وجهها رئيس مجلس النواب تجاه الحكومة، بلغت به حدّ التلويح بسحب وزيريه، أي وزير المال ووزير الزراعة، من الحكومة في حال رفضت الأخيرة اجلاء المغتربين اللبنانيين الذين يخشون من اصابتهم بوباء “الكورونا”. ليس هذا فقط، لرئيس المجلس الكثير من الملاحظات والتحفّظات على أداء الحكومة وسلوك رئيسها خصوصاً في الملف المالي، ما دفعه إلى الطلب من وزير المال غازي وزني سحب مشروع قانون الكابيتال كونترول من على طاولة مجلس الوزراء، بعدما خضع لتعديلات من جانب الفريق الاستشاري لرئيس الحكومة بشكل أثار حفيظة رئيس المجلس، الذي يحذر من اخضاع الخطة المالية للكثير من الاستشارات بشكل يحرق الطبخة.
هكذا، قد تكون أولى جلسات تشريعية في عهد حكومة حسّان دياب، “مشروع مواجهة” مفتوحة، لا يزال منسوب حدّتها قيد النقاش والدرس بين مكونات المعارضة، والتي لا يجمعها الكثير من التفاهمات. لكنها ستكون على الأكيد، أول اختبار لصدقية القوى السياسية في الامتثال لقواعد ما بعد 17 تشرين الأول، من خلال اقرار سلّة قوانين اصلاحية تلبي تطلعات المنتفضين وأفكارهم ومطالبهم. أما الاختبار الأهم، فهو المرتبط بهامش التعاون التشريعي بين حكومة “اللاحزبيين” والقوى السياسية الداعمة لها، وتحديداً قوى الثامن من آذار لناحية العمل على اقرار الاقتراحات المرسلة من جانب السلطة التنفيذية. وستفرز الحكومة، بالصوت والعدد، من سيكون الى جانبها ومن سيكون على الضفة المشاكسة لها.
ولعل هذا ما عبّرت عنه وزيرة شؤون المهجرين غادة شريم التي قالت في تغريدة لها إنّه “تمهيداً لاسترداد الاموال المهربة والمنهوبة، وكي تتمكن الحكومة اللبنانية من وضع حد لمهزلة الفساد التي نعيشها، نتمنى على النواب الكرام إقرار اقتراح قانون باسترداد الدولة للأموال المنهوبة، واقتراح قانون لرفع السرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وموظفي الفئة الأولى الحاليين والسابقين، واقتراح قانون لإنشاء محكمة خاصة بالجرائم المتعلقة بالمال العام، واقتراح قانون برفع الحصانة عن الوزراء والنواب الحاليين والسابقين وكل من يتعاطى الشأن العام، خلال جلسات الأسبوع المقبل”. أحد النواب من الجهة المدافعة عن الحكومة، لا يرى في بنود جدول أعمال الجلسة، موادّ تفجيرية من شأنها أن تتيح للمعارضين فتح النار بوجه الحكومة بشكل عنيف أو قد تستدعي اسقاط اقتراحاتها. ويشير إلى أنّ الاقتراحات الواردة من الحكومة ليست موضع خلاف عميق، فيما المشاريع الأخرى متوارثة على أن ترحل الاقتراحات المعجلة المكررة الى اللجان النيابية.
وفي السياق عينه يشير أحد نواب “المستقبل” إلى أنّ القوى المعارضة ستتعاطى بموضوعية مع بنود جدول الأعمال وستبتعد عن الكيدية والنكد السياسيين. لكنه كشف أنّ خطة الحكومة المالية ستكون بطبيعة الحال موضع نقاش جدي ضمن الأوراق الواردة، كما أنّ سلوك الحكومة سيكون موضع انتقاد من جانب نواب معارضين بعدما أظهرت التخبط في أدائها، وتحديداً في ما يخصّ التعيينات والتردد في قراراتها… ولكن هذه المحطة قد لا تكون مناسبة في ولادة جبهة معارضة لأن ظروفها ليست ناضجة بعد، كما يؤكد النائب نفسه.