Site icon IMLebanon

قصاص الحكومة أم الشعب؟

 

انتهت مسرحية التشريع في الأونيسكو امس الاول على وقع سقوط اكثر القوانين إلحاحاً للبنانيين في هذه الازمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة، بدءاً من مشروع قانون الألف ومئتي مليار المخصصة للعائلات الأكثر فقراً، مروراً بالعفو العام وصولاً الى رفع السرية المصرفية ومحاكمة الرؤساء والنواب، في استعراض عضلات فاقع ومقزز في آن للقوى السياسية الحاكمة.

 

ففي لحظة مراجعة لما حصل، يتضح ان الأطراف التي أوصلت الرئيس دياب الى السراي قد وضعت حدودا لحكومته من غير المسموح له، او لسواه تجاوزها، تضمن من خلالها بالدرجة الاولى احكام سيطرتها على المؤسسات الرسمية من جهة، وعلى الشارع من خلال لقمة عيش المواطن من جهة اخرى. فمهما كانت الأسباب وبغض النظر عما اذا سقطت الحكومة في خطأ اداري اثناء تقديمها لقانون المساعدات المالية، الا ان الوقت ليس لتسجيل النقاط واستعراض العضلات وحشر فريق دون غيره، ولا تفسير لما جرى سوى اصرار الأحزاب على الإمساك بلقمة المواطن واحتكار المساعدات لاستثمارها كما جرت العادة.. الا ان الواقع لم يعد يحتمل هذا الترف السياسي في حين الجوع والفقر بات يضرب أغلبية اللبنانيين في مشهد لم يعرفه لبنان حتى خلال الحرب الأهلية المشؤومة، والاستمرار بالتعنت ووضع اليد على لقمة الفقير تارةً وأموال المودعين تارةً اخرى إنما خير دليل على رفض هذه الطبقة لأية محاولات إصلاح، بل على العكس، هي مستمرة بالمحاصصة في سائر الملفات، كالكهرباء واستيراد النفط والتعيينات وكل المشاريع الانمائية على سبيل الذكر لا الحصر… فتحميل المودع مسؤولية سداد أموال الدولة المنهوبة يضرب البقية الباقية من ثقة لبنانية ودولية في قطاع مصرفي كان آخر ركيزة لما تبقى من اقتصاد لبنان. كما ان سقوط مشروع قانون محاكمة الرؤساء  والوزراء يشير الى ان طريق المحاسبة لا يزال في بداياته واسترداد الأموال المنهوبة لن يتم الا بدفع خارجي لمحاسبة الجريمة الإنسانية الأكبر في تاريخ لبنان والتي أفقرت شعبه وافلست مالية دولته! اما قانون العفو العام فهو فصل آخر من الاستهتار بحقوق فئة يتم الحرص على تهميشها ولو كان على حساب مصلحة الدولة عبر تصحيح الخلل الواقع بالبعض والغبن اللاحق بالآخرين، في حين يعربد العملاء من دون حسيب او رقيب!

 

ان استمرار الكيدية السياسية في مقاربة كل الملفات، خاصة ان هذه الملفات باتت اكثر من ملحة، لا بل تحدد إمكانية استمرار الدولة او سقوطها النهائي بعد التعثر الذي دام طويلاً حتى الآن وأنهك المواطن قبل الوطن، إنما ينذر بمرحلة معقدة قادمة. فبغض النظر عن تبعات الكورونا على اقتصاديات العالم والتي تتوقع بكوارث في أغنى وأقوى الدول، فلبنان كان قد بدأ بالإفلاس باكراً، وثورة تشرين ما كانت الا تمردا على واقع بات يفوق قدرة الشعب على التحمّل.. واليوم، بعدما اشتدت قبضة الازمة على رقاب الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، من دون ان تظهر الدولة، تنفيذياً وتشريعياً أية بوادر حلحلة او توافق مع المصارف على خطة واضحة لتخفيف الضغط عن الناس من جهة والخروج من هذه الحفرة من  جهة اخرى، تدل المؤشرات الى ان العودة الى الشارع باتت ضرورة لا غنى عنها، مع تعديل بسيط الا وهو تدخل بعض الأطراف  والتلطي خلف مطالب الناس المحقة لتصفية الحسابات السياسية وتحقيق الأجندات الخاصة!

 

اذا كان مجلس الأمة قد خيّب آمال ناخبيه ومصدر سلطته في جلسته الاخيرة، الا ان ضعف الحكومة والقيمين عليها قد شرع أبواب حقوق الشعب المقدسة لكل من تسول له نفسه التفريط بها! واذا كانت الحكومة قد قصرت او حتى تجاوزت حدودها في مكان ما، فدور مجلس النواب المحاسبة والتقويم وليس عرض العضلات والتعطيل  في ممارسة اقرب للكيدية منها للإصلاح البنّاء!

 

في كل دول العالم تختلف القوى السياسية والأحزاب، الا ان تحسين الأداء يتفوق على أية رغبة بالتعطيل والانتقام خوفاً من الناخبين الذين يتمتعون بذاكرة طويلة الأجل والجاهزون للمحاسبة عند اول استحقاق.. الا في لبنان، حيث الزعيم والحزب والطائفة ومصلحتهم الخاصة تحتل اعلى سلم الاولويات ومن بعدها طوفان الشعب، بما ان استرضاءه يبقى الأرخص والأسهل في ظل النظام الطائفي والزبائني المقيت.