يختصر المقطع الأخير من الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة حسان دياب بعد جلسة مجلس الوزراء، كل المعنى. قال دياب ما اعتبره “رسالة إلى من يعتقد أننا سنتفرج عليهم وهم يخططون للإنقلاب عبر سلب الناس أموالهم برفع سعر الدولار، لن نسمح ولن نتهاون في قمع كل عبث بالإستقرار المالي، لأن هؤلاء يريدون انهيار البلد لحماية مصالحهم على حساب لبنان ومصالح اللبنانيين”، مضيفاً: “الدولة ستضرب بحزم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”.
أشبه بمضبطة إتهامية تُوجه للمرة الأولى لحاكم مصرف لبنان، وسط كلام عن الاستعانة بالمادة 19 من قانون النقد والتسليف لإقالته، والتي تفيد بأنّه “في ما عدا حالة الاستقالة الاختيارية، لا يمكن إقالة الحاكم من وظيفته الا لعجز صحي مثبت بحسب الأصول أو لإخلال بواجبات وظيفته، في ما عناه الفصل الأول من الباب الثالث من قانون العقوبات، أو لمخالفته أحكام المادة 20 أو لخطأ فادح في تسيير الأعمال”.
ومع ذلك، تشير مصادر وزارية إلى أنّ النصاب الدستوري مؤمن في مجلس الوزراء (ثلثا أعضاء مجلس الوزراء) ولكن النصاب السياسي غير متوفر حالياً، وما حرب التسريبات التي شهدتها الساعات الأخيرة إلا واحدة من أدوات المواجهة السياسية التي تدور رحاها من حول حكومة حسان دياب، والمرشحة للتصعيد أكثر.
وتلفت المصادر إلى أنّ الحكومة وقعت في مطب التعيينات المالية ولم تتمكن حتى الآن من إنجازها كي تعيّن نواب الحاكم بالدرجة الأولى، فكيف لها أن تقيل رياض سلامة وتؤمن بديلاً عنه بجلسة يتيمة! وتلفت إلى أنّ مسألة تعيين حاكم للمركزي شديدة التعقيد، ولا تحكمها عوامل داخلية بحتة، ولا تتم بشطبة قلم.
وتؤكد أنّ القوى السياسية الداعمة للحكومة ليست أصلاً متفاهمة على حالة الخصومة مع الحاكم، حيث يقف رئيس مجلس النواب نبيه بري مثلاً على الضفة المقابلة لا بل النقيضة لموقف رئيس الجمهورية ميشال عون و”التيار الوطني الحر”، ما يعني أنّ كل الحملة التي شنت خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، لا تعكس حقيقة الموقف من سلامة، وإنما تعبّر عن الاصطفاف السياسي الحاصل حول الحكومة ومصيرها.
هكذا، استبدل رئيس الحكومة “ورقة الإقالة” بالتوجه إلى الرأي العام عبر خطاب غير مسبوق في مفرداته التحذيرية، في محاولة منه لوضع كل القوى السياسية أمام مسؤولياتها بعدما بلغت الأوضاع حدوداً خطيرة جداً، يمكن لها أن تطيح بالبلد لحظة انفجار البركان الاجتماعي، فيما تشير المصادر الوزارية إلى أنّ الخطاب هو مقدمة لسلسة اجراءات تنفيذية ستتخذها الحكومة، عبّرت عنها القرارات الثمانية التي تمّ اتخاذها.
وفي سياق وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، طالب دياب سلامة بمصارحة الناس بحقيقة الوضع، خصوصاً وأنّ المعالجات المالية لارتفاع سعر الدولار الجنوني، غير متوفرة نظراً للتدهور الفظيع في المالية العامة وفي موجودات مصرف لبنان، لا سيما وأنّ المعلومات المتداولة تفيد عن تراجع الاحتياطي بشكل مثير للقلق، ما دفع “الحاكم” إلى القول صراحة أمام دياب خلال لقائهما الأخير، إنه لم يعد باستطاعته التدخل للجم الانهيار الدراماتيكي في سعر صرف العملة الوطنية، ولو أنّ المعنيين بالشأن المالي يجزمون أنّ السيطرة على سعر الدولار لا تحتاج إلى تدخل كبير الحجم. ولذا ثمة قناعة لدى الحكومة بأنّ سعر الصرف بات واحداً من ادوات الحرب السياسية المكتومة التي تواجهها الحكومة.
وتلفت المصادر إلى أنّ الواقع المأزوم وانعدام أدوات المعالجة المالية السريعة، يزيدان من ضبابية السيناريوات المستقبلية، مؤكدة أنّ الأحداث وردات الفعل تحصل على قاعدة “كل يوم بيومه”، بعدما صار الأمن الاجتماعي واحداً من ساحات الصراع الخفي الحاصل.
هكذا، باتت المواجهة وفق قاعدة “رأس الحكومة أو رأس الدولار”. إلا أنّ قوى الثامن من آذار تجزم على أن الحكومة لا تزال مؤمنة بغطاء “حزب الله”، وهي بالتالي لن تتعرض للسقوط الا إذا قرر دياب رمي كرة النار بوجه خصومه للعودة إلى صفوفه الأكاديمية. أما غير هذا السيناريو، فغير مطروح لا سيما وأنّ البديل غير متوفر، فيما أثبت دياب في خطابه “الانذاري” أنّه مصمم على المضي قدماً.
ولهذا، تقول مصادر نيابية داعمة للحكومة، إنّ الأخيرة أمام مفترق طريق ولا يمكن لها أن تستمر بالأداء ذاته، وعلى رئيسها القيام بخطوات أكثر عملية وأكثر تشدداً بعدما فرضت عليها المواجهة، ولكن هذه المواجهة بالنسبة للمصادر مكلفة جداً على المستوى السياسي ويفترض أن تكون القوى الداعمة للحكومة، في صفوفها الأمامية. فهل هي مستعدة لهذه المعركة؟