يدرك العديد من الوزراء في حكومة الرئيس حسان دياب أنها تعاني من انعدام التوازن ومن القصور في خطواتها الإنقاذية الكثيرة المطلوبة منها، وأنها تأخرت كثيراً في بعض الإجراءات التي تساعدها على اكتساب بعض الثقة.
وإذا كان آخر مظاهر ضعف هذه الحكومة، قياساً إلى المهمة الإنقاذية التي جاءت من أجلها، هو تسجيل الأوساط القيادية اللبنانية لغيابها شبه الكامل عن أحداث السبت الماضي الفتنوية، وعن لعب أي دور سياسي في معالجة تداعياتها على الأمن الوطني، فإن الحجة الجاهزة على الدوام التي يرددها رئيسها وبعض وزرائها عن أن جائحة كورونا أعاقت تقدمها، لا تستقيم على الإطلاق. وإذا كانت الحكومة من “المستقلين”، على رغم أن الأشهر الأربعة من عمرها برهنت على عكس ذلك، فإن هذه الصفة دفعتها إلى التصرف كأنها غير معنية بمخاطر الذي حصل وأبعاده، تاركة للسياسيين أن يلملموا الانعكاسات السلبية لعودة مظاهر الصراع الأهلي. كأن الحكومة تعتبر أن مواجهة الفتنة مسألة “تقنية” متروكة للفرقاء المعنيين، أو للقوى الأمنية وحدها، وليست من صلب صلاحيات القيمين على السلطة التنفيذية وعلى حفظ النظام العام وكبح فلتان الغرائز.
ما يفسر قلة حيلة الحكومة وتعاطيها مع ما حصل السبت الماضي، هو غربتها عن واقع البلد والخلفيات السياسية لمأزقه الاقتصادي الذي جاءت خصيصاً لمعالجته، على رغم إدراك بعض الوزراء تلك الخلفيات.
إفتقاد دور الحكومة أثناء وبعد الملابسات التي رافقت تظاهرات 6 حزيران ليس الحدث الوحيد، على أهميته، الذي يؤشر إلى غيابها. فهي سبق أن أهدرت فرصاً في محطات عدة أقل تعقيداً وأكثر سهولة من مواجهة مخاطر الصراع الأهلي. غلب التخبط على تحركها لاجتذاب الدعم من المجتمع الدولي، حين راوح سلوكها بين إضاعة الوقت في تسريع الإجراءات العملية لتنفيذ إصلاحات يشترطها المانحون منذ سنوات، من أجل البحث في تقديم الدعم والمساعدة المالية للبنان، وبين خوض رئيسها معارك مجانية، تارة مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، وأخرى بانصياعه لرغبة فريق الرئاسة بالمشاركة في الحملات على السياسات السابقة. تعيين رئيس مجلس إدارة كهرباء لبنان والهيئة الناظمة للقطاع والتعجيل في خطوات تلزيم معامل الكهرباء، التي كان يمكن اللجوء إليها في الأسبوع الأول من بدء الحكومة عملها، أفقد دولاً مانحة حماسها، كانت اعتبرتها مقياساً لاستعادة شيء من الثقة. يعترف العديد من الوزراء بخطأ تأجيل تلك الخطوات وغيرها. وفي مجالسه لا ينفي هذا البعض الاضطرار للخضوع لشروط رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ولا يخفي وزير أو أكثر الرغبة في الاستقالة للخلاص من “الورطة” التي وقع فيها. ومع لومه الحكومة السابقة بأنها لم تنفذ الإصلاحات المطلوبة، فإن هذا البعض يدرك أن الخلافات التي حالت دون ذلك تتكرر في الحكومة الحالية، وأن هناك قيوداً تواجه القيام بالإصلاحات المطلوبة، تؤثر على التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وخلافاً للمواقف العلنية يقر بعض هؤلاء الوزراء بوجود البوابات الأمنية الحدودية لـ”حزب الله”، والتي يستخدمها من أجل تنقلاته العسكرية وللتهريب في ما يستنزف الاقتصاد.
ليس مستغرباً في هذه الحال أن يُطرح بين الفينة والأخرى تعديل وزاري في هذه الحقيبة أو تلك. فالقناعة السائدة أن الحكومة باقية حتى آخر العهد. وإذا استقالت يبقى البلد بلا حكومة حتى نهايته.