IMLebanon

الطبقة الحاكمة مسؤولة عن مأساة إفقار اللبنانيين والتدهور الحاصل

 

لا مبادرات خارجية للإنقاذ طالما استمر تجاهل النصائح بالإصلاح

 

 

جاءت استقالة المدير العام لوزارة المالية آلان بيفاني التي يتوقع قبولها في الأيام القليلة المقبلة، في جانب كبير منها، أحد وجوه الإرباك الفاقع في أداء الحكومة على الصعيد المالي، حيث يواجه لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وضعته على مفترق طرق بالغ الخطورة، في وقت يتوقع أن تترك هذه الاستقالة انعكاسات مباشرة على مسار المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، والتي تواجه العديد من المشكلات، ما يجعل الأمور على درجة عالية من الصعوبة، ستزيدها خطوة بيفاني صعوبة وتعقيداً، وهو الذي يعتبر أحد أبرز أعضاء الوفد اللبناني المفاوض، إلى جانب المهام المالية الأخرى التي يتولاها. وتأتي هذه الاستقالة لتضاف إلى غيرها من حالات التخبط التي يعانيها العمل الحكومي، ما فاقم الأزمات الاقتصادية والمالية، وسط مخاوف من أن يواجه لبنان في الأشهر القليلة المقبلة مرحلة شديدة الخطورة، على مختلف الأصعدة، الاجتماعية والحياتية والمعيشية، بعدما قارب سعر صرف الدولار الأميركي العشرة آلاف ليرة لبنانية في السوق السوداء، دون أن تتمكن كل الإجراءات التي اتخذت حتى الآن من وقف هذا الارتفاع، أو تحديد الجهات التي تقف خلفه، لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقها.

 

وإن دلت المعطيات المقلقة التي يواجهه لبنان، فإنما تدل على سوء التعامل الحكومي مع هذه الأزمات التي تصاعدت حدتها في الأشهر الأخيرة، دون أن يبادر أهل السلطة إلى القيام بالخطوات الضرورية لوقف المسار الانحداري، في تجاهل غير مبرر لكل الدعوات لإجراء الإصلاحات المطلوبة من جانب المجتمعين العربي والدولي، ما أوصل الأمور إلى هذا الدرك الانحداري الذي يخشى أن يفقد معه لبنان كل مكونات صموده الاقتصادي والمالي، في ظل صورة قاتمة ترسمها المؤسسات المالية الدولية عن مستقبله، بعدما تبين حجم الأزمة التي يواجهها في مفاوضاته مع صندوق النقد، وسط مخاوف من أن لا تقود إلى تحقيق أي شيء، يخرج البلد من مأزقه، بعدما أضحت الدولة عاجزة بكل معنى الكلمة عن التصدي لغول الجوع والفقر الذي بات يهدد كل بيت في لبنان، وينذر بالأسوأ الذي يخشاه الجميع. إذ أن كل الأرقام الاقتصادية ترسم صورة متشائمة لمستقبل البلد على مختلف الأصعدة، دون أن يبادر من بيدهم الحل والربط إلى القيام بالخطوات المطلوبة، تلافياً لما هو أسوأ.

 

المعطيات المقلقة تدل على سوء التعامل الحكومي مع الأزمات

 

وترى أوساط نيابية معارضة، أن المسؤولية الأساسية عن تردي أحوال اللبنانيين المعيشية، تقع بالدرجة الأولى على عاتق الطبقة الحاكمة التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه، وبالتالي فإنها تتحمل مسؤولية كل هذه الانهيارات التي يواجهها لبنان على أكثر من صعيد، متسائلة عن الأسباب التي منعت العهد من إنجاز ما وعد به منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية؟ ولماذا لم تستجب هذه الحكومة وسابقتها لكل النصائح العربية والدولية بأهمية السير بالإصلاحات لاكتساب ثقة المجتمع الدولي، من أجل تقديم المساعدات التي يحتاجها لبنان في ظل الظروف الصعبة التي يواجهها؟ وهذا يدل بوضوح أن أهل السلطة الذين ضربوا عرض الحائط كل هذه النصائح، لم يدركوا خطورة المرحلة التي يواجهها لبنان، وراحوا يتقاسمون المغانم ويتحاصصون التعيينات التي فاحت منها روائح الصفقات، في وقت يغرق البلد بأزمات لا تعد ولا تحصى، من ارتفاع الدولار الذي بات من الصعب التحكم به، إلى معضلة الكهرباء العصية على الحل، إلى تفاصيل ملفات المحروقات والرغيف وفقدان المواد الغذائية، فيما الحكومة في موقف المتفرج على تعاظم المأساة التي لن تستثني أحداً. لا بل أكثر من ذلك بعد ظهور بوادر تصدعات في جدار البيت الحكومي في ما يتصل بوسائل المعالجة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن مدى قدرة مجلس الوزراء على مواجهة التحديات المقبلة.

 

ولا يبدو في ظل الوضع الداخلي المعقد والمفتوح على كل الاحتمالات، أن هناك استعداداً من جانب الدول العربية والمجتمع الدولي لمساعدة لبنان، بهدف إخراجه من أزماته وما أكثرها، طالما أنه لم ينفذ ما هو مطلوب منه. فحتى أن الدول التي يرتبط معها بعلاقات تاريخية، كمجلس التعاون الخليجي وفرنسا، ما عادت مستعدة لتقديم الدعم له، في حين أن السلطة في لبنان لا تقوم بما هو مطلوب منها. وهذا هو مؤتمر «سيدر» يكاد يصبح من الماضي، نتيجة سوء أداء الحكم في وعدم التزامه ما وعد به من إصلاحات، ما جعل الوضع في البلد بالغ الصعوبة، بحيث لا يمكن التكهن بمدى خطورة ما ستحمله الأسابيع والأشهر المقبلة، من نتائج على لبنان واقتصاده، وسط هذه المعمعة الداخلية التي باتت مصدر خطر كبيراً لا يمكن تفاديه، إذا بقي الشلل المؤسساتي قائماً. وحيث أن كل التدابير التي اتخذت لم تف بالغرض، ولم تحقق النتائج المرجوة منها. وهذا بحد ذاته نقطة سوداء في سجل العهد وحكومته التي باتت محاصرة بالأزمات التي تنذر بعواصف قد لا يكون للبيت اللبناني قدرة على تحملها.

 

وإزاء هذه المراوحة القاتلة، فإن الأوساط المعارضة تتوقع مزيداً من الدعوات، لإحداث تغيير على المستوى السياسي، بدءاً بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، والعمل على إجراء انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة جديدة، تأخذ على عاتقها العمل على استعادة الثقة العربية والدولية، من أجل تهيئة المناخات للحصول على المساعدات التي يحتاجها البلد، بعدما بات مستحيلاً إخراجه من النفق، إلا بدعم عربي ودولي يفوق بكثير ما حصل عليه في المرات السابقة، بحكم فداحة الخسائر الاقتصادية والمالية التي مني بها، والتي أضحت تستوجب ما يشبه جراحة عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولا تعتقد وفقاً لرؤيتها أن هناك استعداداً عربياً أو دولياً في ظل ظروف لبنان الراهنة، لمد يد المساعدة، رغم كل ما يحكى عن مبادرات متوقعة في المرحلة المقبلة. فالرسالة أصبحت واضحة للجميع، وقد تبلغها المسؤولون منذ أشهر، وهي أن عملية الإنقاذ باتت بأيدي اللبنانيين قبل أن تكون بأيدي غيرهم.