ازدحمت الساحة الداخلية في عطلة الأسبوع الماضي بالرسائل السياسية الصادرة من أكثر من جهة سياسية وحزبية ودينية، كان في مقدّمها ما ورد في عظة البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي رفع من سقف خطابه متسائلاً «عن سبب حصر السلطة بمنظومة أثبتت فشلها»، مبدياً خشيته «من أن تكون أهداف عملية التسويف في تشكيل الحكومة هي إعادة لبنان إلى عزلته التي كان يرزح تحتها قبل تفجير المرفأ في 4 آب، وعرقلة زيارة كبار مسؤولي العالم إليه».
أما الرسالة الثانية، والتي كشفت عنها أوساط نيابية مواكبة، فهي إعلان توقّف كل العمليات الجارية من أجل إرساء الإستحقاق الحكومي على أسس ثابتة تؤمّن التوصل إلى اتفاق على تحديد موعد لانطلاق الإستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا من أجل تسمية رئيس جديد للحكومة، وقد قالت هذه الأوساط، أن هاتين الرسالتين تعزّزان الإنطباع السائد لدى العديد من القوى السياسية التي تعمل على خط تأليف الحكومة، لأن كل الإتصالات التي حصلت منذ استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، قد أفضت الى أفق مسدود، وذلك بسبب استمرار تمسّك بعض الأطراف بمواقفها السابقة، والتي درجت عليها إبّان المشاورات النيابية من أجل التوصل إلى تسوية حكومية.
ولذلك، فإن الأوساط النيابية المواكبة نفسها، اعتبرت أن عدم تسجيل أيّ تحوّل في المواقف لدى غالبية الأفرقاء السياسيين غداة انفجار مرفأ بيروت أوائل الشهر الحالي، يُؤشّر إلى أن المنظار اللبناني للأزمة السياسية، مُغاير كلياً عن منظار المتعاطين في الشأن الحكومي من عواصم القرار، وفي طليعتهم فرنسا التي لا تزال مُصرّة على إنقاذ لبنان من أزماته، علماً أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سيعمد في زيارته المقبلة إلى بيروت الأسبوع المقبل، الى عرض طروحاته بشكل واضح بالنسبة للملف الحكومي، خصوصاً وأن فرنسا قد سبق ودعت إلى تشكيل حكومة مُغايرة عن كل الحكومات التي شُكّلت في فترة ما بعد اتفاق الطائف.
والمفارقة، كما أضافت الأوساط ذاتها، أن الحضور الدولي البارز في بيروت تحت عنوان «تقديم العون للبنانيين المنكوبين بعد زلزال المرفأ»، لم يُؤثّر على الدينامية السياسية للجهات المعنية بعملية تأليف الحكومة، حيث أن المكوّنات السياسية والطائفية، لا تزال تقارب هذا الإستحقاق من زاوية تقاسم النفوذ والحصص، كما أن الوزارات هي بمثابة الصناديق التي تُفتَح أمام الجهة التي تتولاها لكي تحقّق ما تستطيع من مكاسب ومصالح سياسية ومادية. واستغربت هذه الأوساط، عدم الأخذ في الإعتبار كل التغيّرات التي شهدتها الساحة الداخلية، إذ أن تداعيات انفجار المرفأ قد شكّلت نقطة تحوّل كبيرة، ولم يُظهر أي من الأفرقاء ردود فعل على قدر هذه التداعيات، إذ أنهم حصروا أيّ خطوة من أجل مواكبة الواقع الجديد في تغيير الوجوه السياسية، ولكن من دون تغيير النهج أو الأداء، مع العلم أن المنطقة الشرق أوسطية تغلي، والتغييرات خطيرة جداً في المنطقة، لا سيما على خط الصراع العربي ـ «الإسرائيلي»، حيث أن لبنان لا يزال ينتظر المشاورات التي يجريها الرئيس الفرنسي ماكرون مع الأفرقاء اللبنانيين، كما مع العواصم العربية والغربية المعنية بالملف اللبناني من أجل التوصل إلى تأليف حكومة جديدة.