نعلم كباحثين في الشؤون السياسية الإستراتيجية، أنّ للسياسة الدولية بُعد مصالح لا يمكن التغاضي عنه، فيُحكم على علاقة معيّنة بأنّها شبه عادلة أو يُعّدْ نهجها منطقيًا … والأزمات الحالية في المنطقة، بتنوّع أشكالها، كقضية فلسطين والحروب في المنطقة وتفّشي النظام التوتاليتاري ضمن جغرافية سياسية معينة، والتمدُّد الدكتاتوري القائم في ما بين طهران وتركيا، كل هذه الأمور حثّتْ السلطة الفرنسية والمجتمع الدولي، وحتى الأفراد، إلى أن تكون لهم مسؤوليات جيوسياسية وجيوغرافية، للإشتراك في التدابير الوقائية، وكذلك الإجراءات التصحيحية.
وفق وجهة نظرنا كسياسيين وكباحثين، نعتبر أنّ الجهات السياسية اللبنانية والجهات الإقليمية والجهات الدولية، مذنبة ومُحَاسبة، إمّا لعدم إستجابتها لدعوات بعض المناضلين الشرفاء لتحييد لبنان، وإمّا لمساهمتها في الأزمة من الأساس. وعندما كُنّا كباحثين، نُشارك زعماء الدول على حدِّ سواء في نقاشات ومشكلات السياسة المحلية – الإقليمية – الدولية، فإننا كنا نصطدم بإتخاذ مواقف محدّدة غير منطقية، حول ماهية وقدسيّة القضايا المطروحة، ومن هي الأوطان المهمّة جغرافيًا. وكانوا يعطون الأولوية التفضيلية لمجموعات تُمسِك بزمام الأمور، خلافًا لكل نصّ قانوني دولي، بغية ردّ الإعتداءات عن مصالحهم من قِبل تلك الجهات ومن يدعمها. إنّ التأكيدات والمزاعم المتعلقة بأحقية السلوك السليم للثوّار وبالمخرجات الجيِّدة وبالمتطلبات السياسية، وتلك التي تُصادق عليها شرعة حقوق الإنسان، التي سمعناها من الضيف الفرنسي، هي بحاجة مّاسة إلى ترجمة عمليّة وفعلية، من خلال التعاون مع الثّوار، لأنّ هنالك مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق الدولة الفرنسية والمجتمع الدولي، في التحرُّكْ الحاصل لتشكيل حكومة خالية من الإثم السياسي القائم، والذي أرهق الدولة بكل المجالات.
نسأل الرئيس الفرنسي، على أي أساس تمّ وضع معيار تسمية الرئيس المُكلّف؟ وكيف يمكن وبأي طريقة تفسير ما حصل وسيحصل، من فهم للقيم السياسية والمبادئ الوطنية التي ينشدها الثوّار، من أجل الإستجابة للمشكلات الواقعية والوصفات الملزمة؟ ومن أين إسْتَمدّتْ هذه السياسة سلطتها؟ وهل يمكن تقويمها بمن هم في سُدّة المسؤولية اليوم؟ وهل يُمكن تقويم هذه السلطة بعد كل الذي حصل؟ وهل بإستطاعة المجتمع الدولي نقد هذه السلطة؟ وهل يمكنه العمل على التعديل عليها ؟! وإذا كان هذا ممكنًا، فكيف يمكن القيام بذلك؟ ومن هم الأشخاص المهمّون الذين يوضعون في الحسبان، وإلى أي درجة، عندما نتحدث عن الإلتزامات تجاه الآخرين، ومن هم الوكلاء المُكّلفون بالوفاء بهذه المنظومة السياسية التي تتطلب إلتزامًا صادقًا؟
إنّ النظرية المعيارية في العلاقات بين الدول، هي مهمّة وإستراتيجية وفق العلم السياسي، وتستند مجموعة الأعمال هذه إلى مزيج التمايزات والإهتمامات المتعلقة بالنظرية السياسية، ولها هدف مشترك هو إستكشاف التوقعات والقرارات…
لسوء الحظ، هناك قدر كبير من التكّتُم في ما يحصل على المستوى الدولي – الإقليمي، وفي مخاطبة الثوّار. وبذلك، فإنّ من يسعون إلى مدّ الجسور في منطقة الشرق الأوسط، عليهم التفاوض مباشرةً مع الثوّار الشرفاء، وذلك من خلال عملية تنسيق موضوعية – إستراتيجية، تُسفِرْ عن تشكيل حكومة بحجم طموحات الثوّار، قادرة على لعب دور ريادي محلّي – إقليمي – دولي. ونُحذِّرْ السلطات الدولية من إقامة حوارات تحت الطاولة، بهدف إقامة تحالفات ظرفية، بحجّة أنّ الأمور تتطلب ذلك. فإنّ أي تفاوض دولي مع مجموعات خارجة عن القانون اللبناني والقانون الدولي، بحجة كبح جماح التمدُّدْ التركي في منطقة الشرق الأوسط، أمر مرفوض، وهو حتمًا سيكون مُكلفًا على السلطات الفرنسية بالتحديد. وبصريح العبارة، إنّ بوّابة أوروبا هي حكومة قرارها في بيروت وليس في أي مكان آخر. وحذارِ الفشل، لأننا لا نملك ترف الوقت.
إنّ الثوّار بإمكانهم المشاركة في الحكومة، وهم جديرون بتحمّل المسؤولية. ولم يعُد مقبولاً أن يكون هناك وزراء غير مستقلّين، ومرفوض أن يكون هناك وزراء يتبعون لأي جهة في السلطة، لأنّ الفشل والفساد هما سيدّا الموقف، وبالتالي الأمر مرفوض، وعلى السلطات القائمة أن تعي أنّ ليس بإمكانها عرقلة وصول الثوّار. فقرار المشاركة مهم، ومن الأجدر بالسلطة الحاكمة أن تتشارك والثوار. وفي كل الحالات، القضاء يجب أن يأخذ مجراه. فالحكومة يجب أن تكون بحجم طموحات الثوّار، وإلاّ…