كفى كفراً بوطن دمّرتموه، وشعب جوعتموه ونهبتموه ويأّستموه، وما زال منهم من يعبدكم ويؤمن بكم ويرتمي تحت أقدامكم.
لا الوزير الشيعي في وزارة المال سيحلّ الأزمة المالية، وأزمة التعثر، وأزمة الديون، وأزمة التضخّم وسعر الصرف، وأزمة إعادة أموال المودعين اليهم، ولا الوزير الممكن أن يُسمّى من «التيار الوطني الحرّ» لوزارة الطاقة والمياه سيحلّ أزمة الكهرباء وأزمة كارتيلات النفط، ويوقف نزيف الهدر الذي راكم أكثر من أربعين مليار دولار من الدين على الدولة.
ولا تسمية أي فريق سياسي للوزراء في أي حقيبة وزارية سينتشل البلد من الإنهيار ويعيده الى الإزدهار.
ولا المداورة هي الحلّ لما يشكو منه اللبنانيون، من محاصصة وهدر وتلزيمات وصفقات ونفايات وإهمال وعجز ومحسوبيات.
ولا حكومة التكنوقراط واستبعاد السياسيين عن مهمة الإصلاح والإنقاذ، هي الأمل في انتشال «الزير من البير» والخيار الأوحد لمنع الفتنة والفوضى وإعادة الروح الى أرواح اللبنانيين المهمّشة والمتكّسرة.
فالوزير الشيعي الذي تربّع سعيداً على «وزارة الميثاقية»، وزيّن المراسيم بتوقيعه الثالث، لم يتمكن من ضبط عجز الموازنات المتتالية، ولا من منع انهيار القطاع المالي والمصرفي، ولا من حماية جنى أعمار الناس. كما أنّ وزير الطاقة «التياري» لم يتمكن من تأمين التيار وإقفال مغارة الكهرباء، وبناء المعامل ووقف تهريب المازوت، والهدر، ونزيف الملياري دولار سنوياً، ووزارة الطاقة غير محسوبة ميثاقية.
لماذا إذاً هذا الإصرار القوي على إمساك وزارات، بأعراف وبغير أعراف، ما ارتبط أداؤها بغير الهدر والعجز؟
يعتقد البعض انّ الحل في المداورة، وهذا خطأ استراتيجي، لأنّ أسباب الفشل ليست في طائفة من يتولّى هذه الوزارة أو تلك، لأنّ الهدر هو هدر عام وشامل، والعجز عام وشامل. وبالتالي، لن ينفع أن تنقل الفاشل من هذه الحقيبة الى تلك، لأنّه سينقل فشله معه أينما حلّ وعلى أي كرسي تربّع.
الفشل أسبابه سياسية، والهدر أسبابه سياسية، والقوى السياسية السلطوية هي التي أوصلت البلاد الى ما هي عليه من شبه إفلاس وانهيار اقتصادي ومالي وبطالة… بإقطاعيتها الحزبية والطائفية، ونهجها «التوافقي» التحاصصي، وتسوياتها القهرية حيناً والمصلحية أحياناً، وممارساتها وسوء ادارتها. وبالتالي، لا يكمن الحل في المداورة الطائفية أو السياسية بين الوزارات، وإنما في إفساح القوى السياسية القابضة على مفاتيح السلطة المجال لغيرها، ولو موقتاً ولفترة محدودة، كما يتطلع الفرنسيون، لإصلاح ما أفسدته ودمّرته سياساتها.
وليس بالضرورة أن تكون حكومة تكنوقراط، لأنّ هناك سياسيين واختصاصيين أكفاء وشرفاء في كلّ الأحزاب والتيارات، وفي صفوف المستقلّين، وهم قادرون على تحقيق إنجازات ممكنة، غير انّ المشكلة تكمن في سوء اختيار القيادات لممثليها في الحكومة، في الدرجة الاولى، وفي التعامل مع التحدّيات والاستحقاقات الكبيرة بأنانية كبرى، وفي التزام الأجندات الخارجية على مصلحة لبنان، وبالإصرار على مواصلة السياسات المجرَّبة والمدمِّرة، بلا خوف من أي محاسبة أو مساءلة.
اللبنانيون رهائن في وطنهم اليوم، بلا أفق ولا أمل، يحاصرهم اليأس والعجز، ومتاريس الطائفية والمذهبية. القادرون على التغيير والإنقاذ ليسوا راغبين في الإصلاح، والراغبون في الإصلاح ليسوا قادرين على التغيير والإنقاذ.
نحن فعلاً في جهنم سياسية واقتصادية وصحية.