IMLebanon

تجاهل “أم الأزمات”: الخطر صار فرصة ؟

 

ليس قدر لبنان المأزوم ان يكون خياره: إما حكومة ملغومة، وإما لا حكومة. لكن هذا، مع الأسف، هو الخيار المفروض الذي أفشل المبادرة الفرنسية وعطّل تأليف “حكومة المهمة” لإنقاذ البلد من الإنهيار. فما أراد “الثنائي الشيعي” التذكير به هو ان لبنان الكبير انتقل من “شارع غورو” الى “شارع قاسم سليماني”. وما قضى بالإبقاء على ورقة الحكومة في اليد لحسابات اللعبة المحلية والصراع الأميركي – الايراني، سمح بعد عشر سنين بالذهاب الى مفاوضات مع اسرائيل بوساطة أميركا وحضورها لترسيم الحدود البحرية. ومن المهم بالطبع شراء مرحلة من الهدوء وسط مخاطر الحرب والتصعيد الكلامي، بصرف النظر عن الثمن والرمزية. غير ان الأهم والأكثر إلحاحاً هو تأليف حكومة تخرجنا من هاوية الأزمات. فما قيمة الحسابات والأرباح السياسية وحتى الغازية اذا اكتمل انهيار لبنان؟ اليس “كل تاريخ يغفل الاقتصاد يركن الى السبات” كما قال عزرا باوند؟

 

ذلك ان اللعبة خطيرة، وان بدا إشتداد الخطر على لبنان فرصة بالنسبة الى “محور الممانعة”. أميركا فرضت عقوبات على وزير المال السابق، علي حسن خليل معاون الرئيس نبيه بري، فكان الرد معاقبة لبنان واللبنانيين باللاحكومة، ثم الذهاب الى الوساطة الاميركية. وأقل ما نصطدم به في كل أزمة حكومية او رئاسية هو ان الدستور معلق عملياً. فلا دور للاستشارات النيابية الملزمة ولا حرج في تأخيرها لأن اللعبة تدار بموازين القوى الداخلية وحسابات المصالح الخارجية. وهذه هي “أم الأزمات” لانه اذا لم يكن الدستور والإحتكام إليه مفتاح الحلول، فان من الوهم ايجاد حلول للأزمات المالية والاقتصادية والسياسية والوطنية.

 

وليس من المعقول ان نعطي الاولوية لحسابات صراع أكبر منا، ونحن نواجه إنحلال السلطة وانهيار البلد. ولا من المقبول، حتى بمنطق اللعبة الديموقراطية، ان نتجاهل الواقع ونصرّ على حكومة تعكس الأكثرية النيابية. أية اكثرية، والسلطة كلها بما فيها البرلمان فقدت الشرعية بعدما قادتنا الى هاوية الأزمات وعجزت عن إخراجنا منها؟ أليست مشكلة لبنان “الديموقراطي” هي المراوحة بين “ديكتاتورية الأكثرية” وبين ” ديكتاتورية الاقلية” حيث الفيتو هو السلاح؟ وأي سلطة هذه التي تصرفت منذ البدء ولا تزال تتصرف بعد شهرين على الانفجار الرهيب الذي دمر المرفأ وبيروت كأن الكارثة وقعت في بلد آخر وعصر آخر؟

 

بعض الواقعية يا سادة. إنزلوا عن جبل الاولمب مقر الآلهة الى الواقع. فما تفرضه الأزمات والعجز عن حلها من دون مساعدات خارجية هو العودة الى المبادرة الفرنسية. و”السياسة، كما يقول الفيلسوف موشي هالبيرتال، تحتاج الى سند من خارج السياسة: تحتاج الى قيم وحقائق وقادة يحترمون ذلك”.