لبنان محكوم بقاعدة مدمّرة: المافيا وُجدت لتبقى. وليس أخطر من الأزمات سوى التحايل على اللبنانيين وهم في هاوية الأزمات: التحالف مع الخطر تحت عنوان الانفتاح على الفرصة، توظيف الإفلاس السياسي والمالي، لا في تسليم الدفة للقادرين على الإنقاذ، بل في “تأهيل” المافيا ودفع اللبنانيين الى التسليم بأن قدرهم هو المنظومة السياسية والمالية الفاشلة والفاسدة، واستخدام التحولات في المنطقة والعالم وانتظار استحقاقات تهم سوانا لتجميد كل شيء وترك البلد في فراغ أو في إمتلاء أسوأ من الفراغ عبر الصفقات المافياوية، بدل الاستعداد وضمان القدرة على مواجهة التطورات وحفظ رأس لبنان وقت تغيير الدول.
وفي البدء كان الخلل في الوزن والتوازن، وهو ما يهدد جوهر لبنان. والخلل يفرض “تحييد” المسألة الأساسية التي قادت البلد الى عزلة عربية ودولية. فلا هي على جدول الاعمال في تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، ولا أحد يجهل الى أي حكومة يقود “ربط النزاع” ولمن القرار فيها، حيث لن يهبط “اختصاصيون” من المريخ ليصبحوا وزراء.
واذا كان أمراء الطوائف يستطيعون، بقوة المصالح والمخاوف المتبادلة، التفاهم على تركيبة وزارية بأقنعة غير حزبية، فان من الصعب إقناع الداخل والخارج بتجاهل الفارق بين تشكيلة وزراء وبين حكومة.
ينقل المعلق في “نيويورك تايمس” توماس فريدمان عن رجل الاعمال الهندي راني كومار ان النجاح في العمل يتوقف على نوعين: “حلّالي المشاكل” و “واجدي المشاكل”. فكيف تحل مشكلة ان لم تجدها وتكتشف أسبابها ؟ ولسنا في حاجة الى من يجد المشاكل لأنها صارت على الأرض وضاغطة على حياة الناس، بل الى من يرفض تزوير أسبابها، وسط التزوير في أسباب الأزمة السياسية والمالية والمصرفية. واذا كنا نعاني نقصاً في حلّالي المشاكل، فان لدينا فائضاً من صانعي المشاكل.
وأول الواقعية هو التمييز بين الأماني والتوقعات. فما نتمناه ونحلم به كثير، وما نتوقعه قليل. وحتى هذا القليل، فاننا نتمسك به. صحيح ان بعض ما يتحكم بتأليف الحكومة هو ضمان ثقة المجلس النيابي فيها. لكن الصحيح ايضاً ان الحاجة ماسة الى ثقة الخارج الذي يقدم المال ويفتح باب الاستثمار والإنقاذ. وأكثر الحجج خواء، تصوير المطالبة بحكومة من خارج النادي المفلس تحتاجها المرحلة الحالية بأنها “انقلاب” على نتائج الانتخابات النيابية، بعدما سقطت شرعية الانتخابات وكل التركيبة السياسية التي قادتنا الى هاوية الأزمات وبقيت على الكراسي.
أليس ما ينطبق على حالنا هو قصيدة أفغانية يقول فيها أنس حقاني نجل جلال الدين حقاني: “الأعمى يخبرك ان وجهك قبيح، والأخرس يقول لك ان ما تقوله غلط”.