IMLebanon

جمهورية جهنم والكوميديا الإلهية

 

لا حكومة ولا حكوميون، لا سياسة ولا سياسيون، الديمقراطيات أعلنتْ وفاتها في الجمهوريات، وعلى رأسها جمهورية الشيطان الأكبر، فيما نحن ننعم في جمهورية جهنَّم.

 

ولأنّ كلمة جهنّم قد تكرّرت كثيراً في هذه الأيام على ألسنة الملائكة كما على ألسنة الشياطين.

 

ولأن كلّ جهنمِّيات الأرض قد تكدَّستْ عندنا، فقد بات الفضول يقودنا إلى محاولة استكشاف ما يخبِّئُـه اللَّهب الجهنّمي. لن نغوص في ما تكْتنِـزُ الآداب اليهودية والمسيحية والإسلامية من رؤىً في الجنة والنار، ولن نتطرق إلى قصّة الإسراء والمعراج، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري وفتوحات إبن عربي.

 

ولكن، من أجل دقَّـة الإطّلاع لا بـدّ من أن نرافق الشاعر «دانتي» أعظم شعراء إيطاليا في رحلةٍ وهميةٍ قام بها متجولاً بين طبقات الجحيم، عبـر ملحمته الشعرية «الكوميديا الإلهية» فيقول: «الذين ارتكبوا العنف، واختلسوا الأموال، واللّصوص، ومثيروا السوء، والنمَّامون، والعاملون على الإنشقاق، والخونة، والمزوّرون والمرابون، يغرقون في نهـرٍ من الدماء يمزَّقون أجسادهم ويتقلّبون بين غليان اللهب والأفاعي السامة في دوائر الجحيم التسع».

 

هذا الوصف الذي جعلنا نعود إلى «الماروائيات» بعدما صدَمتْنا الأماميات، نسوقُه نيابـةً عن رجال الدين المنشغلين عن ملائكة السماء بشياطين الأرض، والعبرة فيه أن حياة الإنسان لا تنتهي بموته وأن هناك ثواباً وعقاباً عادِلَين إنْ لـمْ يتحقَّقا هنا فإنّ الحساب فوق.

 

وفي مقارنةٍ بين دوائر الجحيم التسع التي فوق، ودوائر الجحيم الذي عندنا لا نرى ثـمةَ فروقاً في الوصف من حيث اللصوصية والنهب واختلاس الأموال والتزوير والإنشقاق والنميمة والسوء والخيانة، وليس ثـمةَ فارق، بيـن الكوميديا الإلهية للشاعر «دانتي» والكوميديا الرئاسية للرئيس ميشال عون. وبين هاتين الكوميديتَيْن: لم يبق أمام الناس إلاّ استجداء السماء والفرار من الدولة إلى الله.

 

لعلنا نتلاقى أيضاً مع «بترارك» الشاعر الإيطالي الآخر وهو يصف إحدى مدن إيطاليا في القرن الرابع عشر فيقول: «إنها بابل العاصية، جحيم الأرض، بالوعَةُ الرذيلة، مستودع الأقذار، لا تـجد فيها إيماناً ولا إحساناً ولا ديناً ولا خوفاً من الله ، تجمّعت فيها أقذار العالم وخبائِـثُه … أليس في قلوبكم القاسية بعضُ الرحمة حيال أحزان هذا الشعب الذي يرجو منكم بعد الله أنْ تنقذوه …؟»

 

الشعب الذي يعيش أسوأ سنوات الشؤم بعد محنة 1860 التي وُصِفَتْ بأنّها ألْعَـنُ سنة مشؤومة في تاريخ لبنان بما رافقها من خراب وتهجير ودماء وتدمير ، هذا الشعب لا بـدّ من أنْ يلجأ إلى العالم الأعلى لعلّه يسترضي الأنبياء بعد جفاء .

 

لم يبق لنا ، بعد استهلاك اللغة السياسية ، إلاّ هذه اللغة الكهنوتية نناجي بها المسيح الذي استخرج الشياطين من البشر ، والنبيّ ، وإنْ قال إنّه لا يأتي بالمعجزات فقد روت الأحاديث بأنه استخرج غيرَ شيطان من بعض أجسام الناس. لعّلها الأعجوبة المنتظرة لإخراج الشياطين من أجسام المسؤولين.