لا يحتاج المراقِب إلى المزيد من الدلائل ليتبيّن أنّ تأليف الحكومة العتيدة عالق في عنق الزجاجة، فلا إمكانية للرجوع ولا قدرة على التقدّم. وهذا ما يُسمّى، في السياسة، بالمأزق. وهو أخطر أنواع المُراوحة.
إعتذار الرئيس سعد الحريري غير وارد ويجب ألا يكون وارداً. ومحاولة التشكيل تصطدم بسلسلة حواجز وراء كلّ منها جهة خارجية أو داخلية مُرتبطة بالخارج، ما يجعل تأليف الحكومة في صعوبة قصوى، والبعض يقول بل يحتاج إلى معجزة. علماً أنّ زمن المعجزات لحلّ المشكلات اللبنانية قد ولّى من أمدٍ بعيد بعدما بات إرتباط جماعة الداخل بالقرارات الخارجية أمراً واقعاً مُتسلسلاً، خصوصاً أنّ تلك القرارات تتضارب في الستراتيجيا وحتى في التكتيك.
هل من حلّ؟ ثمّة إجماع على أنّ المطلوب هو «التضحية» من جهات عدّة مع أنّ لا أحد «يملك» كي يُضحّي. والإلتزام بالدستور وأحكامه لا يعني تضحية، إنما هو واجب وطني.
أولاً- أن «يُضحّي» الرئيس ميشال عون فيتخلى عن موقفه المعروف من بعض الوزارات خصوصاً عن مطالبته بـ»شمولية» المداورة، فلا يُستثنى منها أيّ فريق أو أيّ حقيبة. والتضحية ليست واردة هنا بعد فرض العقوبات على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. وهي لم تكن واردة أصلاً.
ثانياً- أن «يُضحّي» الرئيس سعد الحريري فيتخلى عن المداورة كلياً، وتعود المحاصصة إلى سابق عهدها، بل سابق عهودها، وأن يتخلّى عن الحكومة المُصغّرة، وأن يتراجع عن وعهده للوزير وليد جنبلاط. وأجواء بيت الوسط تُفيد أنّ سعد ضحى كثيراً ولم يعد في وارد المزيد.
ثالثاً- أن «يُضحّي» حزب الله فيتخلّى عن تمسّكه بالأكثرية الحكومية، وليس فقط بالثلث المعطّل. وهذا الأمر غير وارد إطلاقاً عند الحزب الذي، مثل الآخرين وقبلَهم، يترقّب مآل الأزمة الرئاسية الأميركية وماذا سيكون الوضع بين واشنطن وطهران، ليُبنى على الشيء مُقتضاه.
رابعاً- أن يُسهم الرئيس نبيه بري في ممارسة «الضغط الإيجابي» على الصديق – الحليف وليد جنبلاط ليُسهّلها درزياً. ولم يُعرَف ما إذا كان رئيس المجلس قد باشر فعلاً هذه المهمّة في لقائهما أمس في عين التينة.
ويصل اليوم إلى بيروت موفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليحُثّ على تسريع التأليف. فهل يعود بخفَّي حُنَين؟!.