Site icon IMLebanon

وتيرة تأليف الحكومة تسير على ساعة سلامة في تمويل كلفة الانتظار!

 

تلويح نصرالله بورقة باسيل الرئاسية يطرح أسئلة عن الأثمان والمخاطر من العزلة الكاملة

 

لا يشي كلام الأمين العام لـ»حزب الله السيد حسن نصرالله عن الحكومة بأن دربَ التأليفِ مفتوحٌ أمامها. ففي كلمة استغرقت ساعتين إلّا عشر دقائق، خصَّهابعشرين ثانية فقط، اعتبر فيهاأن «بحث الحكومة يحتاج إلى مزيد من التشاور والتوافق بين رئيسي الجمهورية والحكومة»، متمنياً»أن يتمَّ التسريع فيه»، ومؤكداً على «دورهما سوياً في التشكيل، وهو ما يُشكّل ضمانة لكل القوى السياسية».

 

تأليف الحكومة، الذي هو المدخل لبدء وقف الموتالذي يُطارد اللبنانيين، دخل في سباتٍ عميق. «الحاكم الفعلي للبلاد والعباد» المتمثل بزعيم «حزب الله» ليس على عجلة من أمره. فسمة الانتظار ستبقى تطبعُ المرحلة المقبلة لفترة من الزمن، على أقله إلى حين تبلور الصورة بشكل جليّ في أميركا مع حسم نتائج الانتخابات الرئاسية. ولكن ليس على غرار المطالعة التي قدَّمها نصرالله عن الانتخابات الأميركية، التي أظهرت قصوراً كبيراً في فهم آليات أعرق ديموقراطية في العالم، وقوة قضائها الذي تعودُ إليه الكلمة الفصل. قد تحصل مفاجآتخلال الفترة المتبقية من ولاية دونالد ترامب، إنمامفاجآت لا يدخل في عدادها بالطبع «سيناريو تمرّد»الرجلورفضه الخروج من «البيت الأبيض» واستخدام القوات العسكرية. فهذه أميركا وليست إحدى الديكتاتوريات. في العشرين من كانون الثاني 2021، سيكون الرئيس الأميركي الحالي خارج «البيت الأبيض»إذا كان النزاع القانوني على الانتخابات لا يزال عالقاً بينه وبين جو بايدن، وستؤول دفة الحكم مؤقتاً إلى من يتولى رئاسة مجلس النواب، والمتوقع أن تبقى في عهدة نانسي بيلوسي.

 

ما ظهر من أداء الإدارة الحالية أنها ماضية في سياستها، ولن يَشلَّها النزاع القضائي ويُثبط من عزيمتها، بل ستُكثّفُ في الفترة المتبقية لها من ضغوطها. هذه إشارات لا بد أن يكون التقطها نصرالله ومن خلفه راعيه الإيراني. وبالتالي، يصبح مفهوماً الأخذ بعين الاعتبار احتمالحدوث أي عمل أو مغامرة عسكرية في المنطقة، على الرغم من الاعتقاد السائد في دوائر قريبة من ترامب أنه ليس رجل حرب، ولم يخض واحدة طوال وجوده في «البيت الأبيض» ولن يفعل الآن، غير أنه سيسعى جاهداً إلى تمتين الاتفاقات التي توصَّل لها أثناء حكمه ولاسيما في الشرق الأوسط، ومنها اتفاقات التطبيع الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وتحصين استراتيجية مواجهة إيران وتمددها من خلال جبهة صلبة. وهذا، وفق أوساط جمهورية، سيكون جزءاً رئيسياً من محور زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى المنطقة. بومبيوالذي سيزور ضمن جولته القدس والسعودية والإمارات، سيسعى إلى إبلاغ حلفائه بضرورة التروّي في مبايعة بايدن، وفي التنسيق المتسرِّع معه، لأن المسألة القانونية قد تأخذُ وقتها، ولا شيء محسوماً نهائياً على مستوى الرئاسة، وسيحضهم على عدم تعليق استكمال الخطوات التي من شأنها تعزيز الاتفاقات بل العمل على تدعيمها في هذا الوقت.

 

بومبيو سيحث حلفاءه على التروي في مبايعة بايدن وعلى رصّ صفوف الجبهة المواجهة لإيران

 

كل ذلك يعني أن كابوس ترامب لم ينته بعد بالنسبة إلى إيران وأذرعها العسكرية في المنطقة، رغم أن لا وهم لدى مناهضي إيران بأن ترامب كان في النهاية ذاهباً إلى صوغ اتفاق مع طهران على طاولة مفاوضات. المسألة كلها تدور حول الحفاظ على أوراق القوّة وكسب مزيدٍ منها،وفرض وقائع جديدة إلى أن تأتي ساعة التفاوض لرسم معالم التوازنات في المنطقة التي ستبقى إلى حين من الزمن.هكذا يمكن فهم»الحالة الانتظارية» التي تفرضُ نفسها على نصرالله غير المستعجل في صرف الأوراق اللبنانية بكليتها. يكفي أن ورقة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل أُرغم على صرفها بتوقيت لم يختره هو.

 

حالة الانتظار ستُترجمُ مزيداً من الجمود. سيبقى الرئيسالمكلف متعايشاً مع لحظة التكليفمن دون قدرة على إنجاز التوليفة الحكومية ومن دون التلويحبالاعتذار. ومعه، لن يُفرجرئيس جمهورية عن التأليف خصوصاً بعدما وصلت العقوبات الأميركية إلى عقر داره من خلال استهداف وريثه السياسي. فالعقوبات تعني أن الإدارة الأميركية اتخذت قراراً بتصفية جبران باسيل سياسياً. خرجت السفيرة الأميركية دوروثيشيا، بناء على طلب إدارتها، بالصوت والصورة وليس بيان مكتوب لتعلن ذلك.

 

ستترك العقوبات على باسيل آثارها على التركيبة الداخلية، وما زال من المبكر الجزم بمآل نتائجه السياسية. بالأمس سعى نصرالله إلى إبداء كل الامتنان الأخلاقي لصهر الرئيس، فاتحاً الباب أمام احتمال تكرار «سيناريو عون». قال إن موقف باسيل مقدّرٌ ويُبنى عليه. كلمة كررها مرَّتين، وكأنها تُشكل بداية تأسيس نحو الالتزام معه في الاستحقاق الرئاسي المقبل، عَطَفَها على مراجعةٍلـ»تفاهم مار مخايل» لتحصينه كرد على الأميركيين. موقف لا يمكن تجاهل ما يحمله من مخاطر أخذ البلد إلى مزيد من العزلة السياسية والاقتصادية وتحويله إلى سوريا ثانية وإيران ثانية، بما يعنيه ذلك من استفحال الانهيار الاقتصادي والمالي،وتغيّر معالم لبنان نهائياً،بينما المطلوبإعادته إلى السكة الصحيحة بالتفاهم مع المجتمع الدولي من خلال الذهاب إلى تنفيذ الخطوات المطلوبة منه على مستوى إدارة الدولة والعملية الإصلاحية التي تتطلّب حكومة تعطي إشارات ثقة للخارج، كبداية انطلاق.

 

حتى أن الأجواء التي تسرَّبت عن لقاءات المبعوث الرئاسي الفرنسي لا تؤشر إلى أن تبدّل في المواقف والعقلية المتربصة بالبلاد. ففرصة التغيير الجزئي، التي لاحت على وقع انفجار 4 آب المزلزل، ودماء وأشلاء الناس، وتدمير أحياء كبيرة من العاصمة، وإخراج مرفأ بيروت من الخريطة الاقتصادية، ذهبت أدراج الرياح حين التقطت المنظومة الحاكمة أنفاسها. ولا يبدو في الأفق أن هذه الفرصة قد تعود من دون حدوث وقائع جديدة على الأرض ستكون مُكلفة سواء سياسياً عبر مزيد من العقوبات، أو مالياً واقتصادياً عبر مزيد من الانهيارات، ذلك أن حاكم مصرف لبنان قد لا يكون قادراً على تمويل مرحلة الانتظار القاتل إلى حين نضوج ظروف الحل!.