«واقعية» سلام تخفّض طموحاته.. للدفاع عن نفسه
حكومة ما بعد الاستقالات: وكأن شيئاً لم يكن..
لم يحضر الوزير غير المستقيل سجعان قزي جلسة مجلس الوزراء أمس، لكنه سيستأنف المشاركة في الجلسات بدءا من الجلسة المقبلة. بالمقابل، يواظب اشرف ريفي على تصريف الاعمال وتوقيع البريد وحضور المناسبات السياسية والاجتماعية وكأنه وزير بالاصالة، لكنه لن يكسر قراره بالعودة مجددا الى مقاعد الحكومة. أما الوزير الكتائبي المستقيل شكلا ومضمونا الان حكيم، فالوحيد الذي غادر نهائيا السرايا ومكتبه في وزارة الاقتصاد، إلا إذا كوفئ مجددا على التزامه الحزبي وعيّن للمرّة الثانية في حكومة ما بعد الشغور الرئاسي.
بمطلق الاحوال، انضمام وزير أو اكثر الى قافلة «المتمرّدين» لن يغيّر في مسار تركيبة الامر الواقع. كل المؤشّرات تدلّ على ان لا حَرَد حزب لم يتعاط معه الجالسون على طاولة مجلس الوزراء يوما على أنه أصلا «مكوّن» مؤثّر، ولا «انتفاضة» وزير يريد أن يرث «الحالة الحريرية»، يمكن أن تغيّر سطرا في مصير حكومة اكتشف ركابها مع الوقت بأنها ولدت تماما، بعد مخاض 11 شهرا، بعكس الهدف الذي روّج لقيامها: التعايش مع الشغور الرئاسي الاستثنائي و «تغطيته» وليس التمهيد لانهائه!
من كان يُفترض ان يستقيل لكي ينسف الحكومة من أساسها ويضعها على سكّة تصريف الاعمال من باب التسريع في انتخاب رئيس الجمهورية لم يفعلها من رئيس الحكومة ونزولا.
عقِب إحدى اسوأ الجلسات التي شهدها مجلس الوزراء في آذار الماضي، صارح الرئيس تمام سلام المقرّبين منه قائلا: «سقطت الفوارق بين حكومة مشلولة وحكومة تصرّف الاعمال. الأشرف هو الخيار الثاني».
مع ذلك، لم يُقدِم سلام على هذه الخطوة، ولن يفعلها على الارجح. يتساوى بذلك، مع ثلاث كتل كبيرة في الحكومة: ميشال عون و «حزب الله» و «تيار المستقبل»، كل لاعتباراته الخاصة، لم يضع الاستقالة من الحكومة على جدول أعماله في السنتين الماضيتين، ولا هو بوارد تزكية هذا الخيار على المدى المنظور، إلا إذا اختلفت الحسابات وصار إسقاط الحكومة مطلوبا.
«واقعية» الرئيس سلام دفعته الى التصرّف على أساس ان حكومته هي عبارة عن «مجلس إدارة» طالما ان القرار السياسي الفعلي هو على طاولة الحوار، وفي أقصى الاحوال حصيلة المناقشات الثنائية في عين التينة بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» أو ترتيبات الجلسات المغلقة بين الاقطاب. مع ذلك بقي الشلل والمناكفات وتسجيل النقاط على بعض والنزاعات الشخصانية والانقسامات.. عناوين المرحلة.
تدنّت طموحات الرئيس سلام مؤخّرا الى الحدّ الذي بات يدافع فيه عن نفسه من تهمة تصويره شريكا في تغطية الشغور الرئاسي عبر تغطيته لهذا الكمّ من الانقسامات، والتهرّب من بتّ الملفات الملحّة ببقائه على رأس حكومة «لا تنتج سوى الازمات»…
لا يمكن الافتراض ان الرئيس سلام بات اليوم أمام واقع وزاري أكثر إحراجا له مع انضمام وزير الاقتصاد الان حكيم الى الوزير اشرف ريفي المقاطع لمجلس الوزراء، لكن المحتفظ بصلاحياته كاملة كوزير. فالتوازن السياسي والطائفي لم يمسّ، خصوصا ان تحرّر الوزير قزي من عبء الاستقالة الكتائبية، وعدم التزام وزير الإعلام رمزي جريج أصلا بها، أفضيا عمليا الى اعتبار ان الحكومة تعمل ناقصة وزيرا واحدا فقط هو الان حكيم، فيما استقالة ريفي تعتبر «غنجا» وزاريا طالما ان نباهة واضعي الدستور لم تصل الى حدّ ترتيب مخرج لوزير يستقيل ويبقى وزيرا اصيلا!
إذا التوازنات على حالها، والانقسامات والنكايات أيضا، مع الترحيل الدائم للملفات الخلافية. ما عدا ذلك، يمكن الحديث عن إضافة نوعية وحيدة فرضتها الاستقالة الكتائبية من الحكومة ثم تجريد الوزير قزي من عضويته الحزبية.
سيدخل الرجل هذه المرّة مجلس الوزراء، وفق متابعي مساره، «مجرّدا من الغطاء الحزبي»، وسيتكلّم باسمه الشخصي كـ «كتائبي مستقل» في سابقة لم تعرفها عهود ما بعد الطائف. فسجعان قزي لن يمثّل سوى نفسه، ولن يتساوى حتّى مع بطرس حرب صاحب الحيثية المناطقية والسياسية والمنضوي تحت مظلة «مستقلّي 14 آذار».
أما كلامه عن تمثيله للمسيحيين والموارنة وبكركي فيصلح فقط للمنابر، برأي هؤلاء، خصوصا ان ثمّة طرفا مسيحيا داخل الحكومة هو ميشال عون يتصرّف على أساس أنه محتكر التمثيل المسيحي داخل الحكومة بغياب «القوات» واليوم بثقة أكبر بغياب «الكتائب»، ولأن حكومة بأمها وأبيها لم تعر اهتماما لاستقالة حزب ظنّ أن في «جيبه» ثلاثة وزراء، لن تلتفت لـ «تمثيل» وزير قايض ختم الوزارة بالبطاقة الحزبية حتى لو بات يتصرّف على أساس أنه «صوت بكركي» في الحكومة.
وعلى الهامش، ينطبق على الوزير جريج ما ينطبق على قزي. وزير الإعلام لن يمثّل سوى نفسه، فإدارة ظهره لالتزامه السياسي مع «الكتائب» لن يعني سوى مكوثه في السرايا مجرّدا من غطاء الصيفي. هكذا تبدو مفاعيل استقالة «الكتائب» من الحكومة مشابهة تماما لاستقالة النائب روبير فاضل من مجلس النواب على قاعدة و «كأن شيئا لم يكن».