لتأذن لنا «القوات اللبنانية»، كما تيار «المستقبل»، لنقوم بحساب الربح والخسارة. بعد صدور المراسيم، بات في الإمكان النظر بواقعية، ومن دون الحاجة الى تحليلات سعت خلال شهر ونصف شهر من أيام التأليف الى بيع الاوهام. وهي تحليلات كانت تستهدف أساساً الدفاع عن التموضع الجديد لقوى بارزة في فريق 14 آذار، الفريق الذي بات بمقدور أهله اليوم دفنه وتقبّل التعازي برحيله.
مقاصّة 8 و14 آذار
حكومة من ثلاثين. في التصنيف السياسي التقليدي الذي عرفه اللبنانيون خلال السنوات العشر الاخيرة، فإن فريق 8 آذار مع التيار الوطني الحر، حصد 17 مقعداً، مقابل 13 مقعداً لتحالف 14 آذار، مع فروقات أساسية، منها ارتباك ــــ يجري العمل على علاجه ــــ شهده تحالف 8 آذار والتيار الوطني الحر، على خلفية الانتخابات الرئاسية. وهو ارتباك لا يؤثر في أيّ حال على التوافقات الاستراتيجية، بينما تمزقت 14 آذار بين لهاث «القوات اللبنانية» خلف مكاسب في السلطة، وشبه انهيار في صفوف تيار «المستقبل»، وانسحاب استراتيجي للنائب وليد جنبلاط. هذا، مع الحاجة الى التذكير بأنه تم، وفي غمضة عين، التخلي أو التخلص من حزب الكتائب وبقية مسيحيي أو مستقلي 14 آذار من بقية الطوائف.
حكومة من كتل كبيرة حاسمة في وجهتها؛ واحدة يمكن لرئيس المجلس النيابي أن يحصدها إن ظل ناطقاً باسم تحالف حركة أمل وحزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي والمردة وطلال أرسلان (8 وزراء). وثانية يقودها الرئيس ميشال عون مع التيار الوطني الحر والطاشناق (9 وزراء). وثالثة يقودها الرئيس سعد الحريري (7 وزراء).
… وفي النهاية، فاز فريق 8 آذار بـ17 وزيراً
مقابل 13 وزيراً لـ14 آذار
أما البقية، من الحزب التقدمي و»القوات اللبنانية» والوزير ميشال فرعون (6 وزراء)، فيصعب حسم تموضعهم بصورة كاملة في هذا الاتجاه أو غيره. ذلك أن تفاهمات أبرمها هؤلاء مع الكتل الثلاث الكبيرة تقيّد حريتهم، وتجعلهم يعملون على القطعة. يحضرون عند فضّ العروض، فإما تكون لهم حصة، أو يبحثون عن رزقهم في مكان آخر.
تغييرات ضرورية
بعدما نجح الرئيس ميشال عون، ومعه التيار الوطني الحر، في الحصول على حصة وازنة في هذه الحكومة، وتولي حقائب أساسية، ينتظر الجمهور خطوات ولو أولية من قبل هذه الكتلة، تؤشر الى أن هناك تغييراً ما قد حصل. وليس من عاقل يطالب الرئيس اليوم بتحقيق الإصلاح. لكن، هناك مقاربة مختلفة منتظرة، ليس في مقاربة الملفات الحيوية للناس، بل في كيفية إدارة مؤسسة مجلس الوزراء. وإذا كان اتفاق الطائف أنتج عيباً يفرض تفاهم رئيسي الجمهورية والحكومة حتى تنجح الحكومة، فإن واقع اليوم يقول إن توازناً جدياً بين موقعي رئاسة الجمهورية والحكومة، يفرض عملاً مستقلاً ومتوازناً للحكومة.
ولكي لا تبدو الأمور مجرد بالونات في الهواء، فإن ستة أشهر أو أكثر من العمر المفترض لهذه الحكومة، كافية لعدم زيادة السرقات من المال العام، وأن يعاد الاعتبار الى مؤسسات متخصصة ذات طابع وطني، على رأسها الجيش الذي خطفته الاحلام الرئاسية، والى جانبها مؤسسة القضاء التي لن يستقيم العدل في لبنان من دون ضمان استقلاليتها واحترامها.
كذلك، فإن مهمة الحكومة الجديدة تتركز على إعداد قانون جديد للانتخابات النيابية. وبما أننا جميعاً نعرف أن الحكومة الحالية ستنقسم الى نصفين، واحد يفضّل بقاء نظام الاقتراع الأكثري، وهو يجمع «المستقبل» و»القوات اللبنانية» والحزب التقدمي وتيار المردة (15 وزيراً)، والنصف الآخر يجمع الرئيس عون والتيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الطاشناق والنائب طلال أرسلان (15 وزيراً) مع إقرار نظام الاقتراع النسبي، فقد يخرج من يقول إن البلاد ستواجه معركة حاسمة. لكن الحقيقة أن هذه المعركة يمكن، لا بل يجب، أن تخاض، وأن السماح ببقاء القوانين على حالها يعني أن لا تغيير سيحصل، ولا إصلاح ولا من يحزنون!
حكومة حلب
عندما شكل الرئيس نجيب ميقاتي حكومته بعد إطاحة الرئيس الحريري في عام 2011، أطلق الوزير نهاد المشنوق عليها صفة «حكومة جسر الشغور»، رابطاً مجيء ميقاتي بما يجري في سوريا. لم يكن المشنوق يومها يجافي حقائق تتصل بالواقع الاقليمي للبنان. وبعد سنوات طويلة من الفراغ الفعلي، حكومياً ورئاسياً، فإن الجميع يعرف أن السبب يعود الى تأثر اللاعبين الكبار بما يجري في الإقليم.
اليوم، يمكن استخدام أسلوب المشنوق نفسه، والتفكير في وصف الحكومة الجديدة بـ»حكومة حلب». وهو أمر ستكون له بقيته في ممارسات الحكومة وسياساتها الاستراتيجية. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فمن المفيد لفت انتباه بعض المترددين من بقايا 14 آذار، الموجودين في الحكومة أو خارجها، الى أن هناك حلولاً ممكنة لتسوية أوضاعهم… أما من لا يرغب، فإن أسطول الباصات الخضر يعمل وقتاً إضافياً في لبنان، إن اقتضى الأمر!