Site icon IMLebanon

الحكومة والمصارف: من “المواجهة” إلى “التفاهمات”

 

تشي الأحداث وكأن حكومة حسان دياب تكاد تقترب من أمتارها الأخيرة. المسألة ليست مسألة فرصة مئة يوم أو أكثر أو أقل قد تعطى لأي حكومة قبل اطلاق أول الأحكام على أدائها وسلوكها، وإنما هي مسألة انهيار شامل يدنو بخطوات سريعة غير آبه بالمهل الكلاسيكية، ومن دون أن تتمكن السلطة التنفيذية من قيادة حلّ انقاذي من شأنه فرملة الانفجار الكبير أو تجميده.

 

وضعت الحكومة خطتها للتعافي الاقتصادي لكنها لم تجد من يسعفها في دعم هذه الخطة، لا بل اضطرت الى خوض معارك مصيرية على كل الجبهات: على الجبهة الدولية مع صندوق النقد الدولي، على الجبهة المالية مع حاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف، على الجبهة الاقتصادية – الاجتماعية مع كل الناس سواء لجهة جشع التجار الذين استغلوا الوضع لتحقيق أرباح خيالية، أو لجهة المستهلكين الذين يئنون تحت وطأة فقر مدقع أطاح بطبقة بكاملها وسوّاها بالأرض.

 

خلال الأسبوع الماضي تسارعت الأحداث. بدا أنّ هناك من قرر صبّ الزيت فوق حمم البركان الاجتماعي لدفعه إلى الانفجار دفعة واحدة. تحدث رئيس الحكومة عن “انقلاب” كان يتمّ التحضير له بعدما تأكد له أنّ هناك من يعدّ له كميناً للاطاحة به من السراي، عن طريق رفع سعر صرف الدولار بشكل هستيري و”تقليب” الشارع ضده.

 

ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ الحكومة كانت بصدد تسجيل الانجازات التي عجزت عن تسويقها أمام الرأي العام فانقلب ضدها. يدرك القيمون على الحكومة أنّها تخسر من رصيدها على نحو قد يهدد كيانها وتضامنها، ويسحب البساط من تحت قدميها. ولذا يبدو أنّ دياب قرر الانتقال من خطة “المواجهة أ” إلى خطة “التفاهمات ب”.

 

هكذا، وضع قرار إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جانباً بعدما تيقّن أنّ داعمي سلامة من حلفاء دياب قد يكونون أكثر من داعميه في صفوف المعارضة. وها هو كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الرافض للاستغناء عن خدمات سلامة، يثبت أنّ الحاكم باق باق باق. بالتوازي، عاد رئيس الحكومة لفتح باب الحوار مع جمعية المصارف بعد مرحلة من التوتر لا بل من القطيعة الناجمة عن الخلافات المستحكمة بينهما حول الخطة الانقاذية أولاً وكيفية توزيع الخسائر ثانياً.

 

وجاء كلام رئيس الجمهورية ميشال عون خلال ترؤسه الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء حول “توزّع مسؤولية ما حصل مالياً على ثلاث جهات: الحكومة، مصرف لبنان والمصارف. وبالتالي فإن الخسائر يجب ان تتوزّع على هذه الجهات وليس على المودعين”، لينسف البيان الذي انتهى اليه اجتماع بعبدا المالي الذي عقد في الثامن من حزيران الفائت، والذي اعتبر أنّ “الأرقام الواردة في خطة الحكومة منطلق لاستكمال المفاوضات مع الصندوق”.

 

وهذا ما يفسر ما قاله رئيس جمعية المصارف سليم صفير يوم الاثنين الماضي بعد لقائه رئيس الحكومة، معلناً عن “فتح صفحة جديدة مع الحكومة”، لتكون إشارته تتويجاً لمبادرة قادها وفق المعلومات رئيس مجلس النواب بمشاركة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، لتعزيز خطوط التعاون والتنسيق بين الحكومة وجمعية المصارف.

 

كما تشير المعلومات إلى لقاءات عقدت بعيداً من الاعلام بين عدد من القيمين على القطاع المصرفي وبعض المشاركين في السلطة التنفيذية من باب السعي لفتح باب حوار لا بدّ منه بين الطرفين. إذ يفترض، وفق المعلومات، أن يجلس الطرفان من جديد لاعادة النظر بأكثر من نقطة مشتركة. وتلفت إلى أن الحوار سيشمل خطة الحكومة كما خطة المصارف وقد يصار الى وضع تصور مشترك من شأنه أن يقلص المسافات بين الفريقين.

 

ويشير أحد المعنيين من جانب القطاع المصرفي إلى أن الحوار بين الطرفين، والذي يحصل في جزء منه في السراي والجزء الآخر على طاولة اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة، لا يزال في بدايته، مؤكداً أنّه جرى الاتفاق على فتح باب النقاش لأنّ هوة التباينات بينهما لا تزال عميقة وضخمة.

 

ويؤكد أنّ الخلافات لا تزال قائمة حول الأرقام، المقاربة، المعالجة، كيفية توزيع الخسائر، كيفية تسديدها واستحقاقاتها، مشيراً إلى أنّ التحدي الأول يكمن في التوصل الى التفاهم، فيما التحدي الثاني يكمن في تنفيذ هذا التفاهم والالتزام به. ولذا يعتبر أنّ الطريق طويلة وشائكة، والفريقين لا يزالان في خطوتهما الأولى.

 

على المقلب الحكومي، تقول الرواية إنّ الانطلاقة كانت خلال الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء حيث اشتكت جمعية المصارف من مظلومية تمارسها الحكومة تجاهها، فيما ردّ دياب بشكل واضح أنّ الحكومة حريصة على النظام المصرفي على عكس ما يتمّ الترويج له، وقد تم توضيح بعض الالتباسات الأساسية بين الفريقين وجرى الاتفاق على جلسة حوارية وجهاً لوجه.

 

فكان اجتماع يوم الاثنين حيث كرر رئيس الحكومة حرصه على عدم المسّ بهذا القطاع مؤكداً أن خطة التعافي ليست منزلة، لا بل هي قابلة للتطوير والتحديث بناء على الملاحظات، وهذا ما اعتبره المصرفيون أنه بادرة حسن نية قد تتيح فتح باب الحوار الجدي. فتمّ التفاهم على استكمال النقاش التقني والفني على أمل الوصول الى تفاهمات مشتركة.