Site icon IMLebanon

بين الحكومة والمصارف: خلاف على الأرقام… وعلى العلاج

 

 

اختزل النائب ياسين جابر لبّ الأزمة الواقعة بالقول: “الحكومة لم تنسّق مع مصرف لبنان وجمعية المصارف عندما وضعت خطّتها… والكتل النيابية هي المشكلة والحلّ”. قبله، كان رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان يعلن اقرار انشاء لجنة تتمثل فيها الكتل النيابية ومصرف لبنان وجمعية المصارف ووزارة المال للوصول الى حقيقة الأرقام حول الخسائر المالية وتوزيع عادل للاعباء بعد تأكيده وجود تباينات كبيرة في تقدير الخسائر والأرقام بين الحكومة والمصارف والهيئات الاقتصادية.

 

اذاً، كلٌّ في الهيئات المعنية يغني على ليلاه. الأرقام، كما عادة اللبنانيين، وجهة نظر. فيما خريطة الطريق التي وضعتها الحكومة للاصلاحَيْن المالي والاقتصادي والتي تعمل على إقناع صندوق النقد الدولي بجدواها كمنطلق لإصلاح جذري، لن تجد من يتبناها محلياً… ولا من يصوّت عليها في مجلس النواب حين ستقدم على شكل اقتراحات قوانين.

 

يكفي أن يعتبر “تكتل لبنان القوي” أنّ الخطة الاصلاحية التي أعدّتها الحكومة “لن تكون قابلة للنجاح ما لم تتخذ قرارات حاسمة تصحح بموجبها نقاط الضعف التي أشرنا اليها في اجتماع بعبدا، ومن أهمها ان المطلوب إعادة هيكلة القطاع المصرفي وليس تصفيته”، لكي تتأكد الحكومة أنّ الغالبية المطلوبة في مجلس النواب، باتت في حكم المفقودة خصوصاً وأنّ مواقف الكتل المعارضة معروفة سلفاً كونها ستضع الخطة على المشرحة ولن تخرجها من البرلمان إلا جثة هامدة!

 

وهذا ما يعني أنّ الحكومة باتت مسيّرة لا مخيرة، إلى التفاوض من جديد مع الكتل النيابية، ولو أنّ بعضها شارك عبر ممثلين في نقاشات السراي الحكومي لوضع الورقة.

 

وقبيل وصول هذه الاقتراحات إلى البرلمان، ها هي جمعية المصارف تستعد لمواجهة خطة الحكومة، بورقة رديفة، يفترض أن تكون قاعدة حوار مشترك بين الجهات المالية الرسمية والقيّمين على القطاع المصرفي، في محاولة للوصول إلى تصورات مشتركة تقلص الهوة الموجودة بين المقاربتين، وتطوير الوثيقة الحكومية وتحسينها، كما تقول مصادر مصرفية متابعة. وهنا يتردد أنّ لجنة المال والموازنة تلعب دوراً جدياً في التنسيق بين الجهات الرسمية والجهات المصرفية للوصول إلى أرضية مشتركة.

 

وفق المصرفيين، فإنّ الحكومة وضعت خطتها بلا تشاور جديّ مع مصرف لبنان أو جمعية المصارف أو الهيئات الاقتصادية ولا حتى مع الكتل النيابية البارزة. كل اللقاءات التي عقدت في هذا الصدد، بدت سطحية وأقرب إلى اللياقات وحفظ ماء الوجه. ولكنها لم تكن مجهّزة للأخذ بوجهات نظر أصحاب العلاقة أبداً. فمصرف لبنان هو المعني الأول كونه يحمل الجزء الأكبر من الدين الداخلي بمعزل عن الموقف من حاكم المركزي رياض سلامة، يليه القطاع المصرفي، اذ من غير الممكن اعادة هيكلة الدين من دون التفاهم مع الدائنين، ومن ثم الكتل النيابية التي ستقرر في نهاية الطريق مصير الخطة طالما أنّها ستتحول إلى قوانين، واذا لم توافق الغالبية النيابية على هذه الاقتراحات فلن ترى النور. ومن ثم هناك الهيئات الاقتصادية التي هي محرك الاقتصاد وعصبه.

 

ويشير هؤلاء إلى أنّ التباين بين الحكومة والقطاع المصرفي يتمحور حول مسألتين بارزتين: أولاهما أرقام الخسائر المقدرة في الخطة الحكومية والتي لا تتطابق أبداً مع أرقام مصرف لبنان وأرقام جمعية المصارف. ثانيتهما، خريطة الطريق التي تعبر عنها الورقة الحكومية والتي لا تلقى تأييداً من جانب جمعية المصارف ولذا عملت على وضع أفكار جديدة علها تتمكن من ادخال التعديلات على الورقة الأساسية بشكل يرضي تطلعات المصارف.

 

بالنسبة للمصارف، فإنّ الورقة الحكومية “محاسبية” وليست علاجية، وكأنّها شركة تصفّي حساباتها ولا تتطلع إلى المستقبل، بينما المطلوب معالجة الخسائر الواقعة بشكل يحفظ المستقبل ولا يقضي على الاقتصاد بشكل تدميري، من خلال وضع نمط معالجة آنيّ للمشكلة، وآخر مستقبلي يحمي الاقتصاد ومعه القطاع المصرفي.

 

ويشير مصرفيون إلى أنّ الورقة الحكومية تبالغ في تفاؤلها لناحية تأمين السيولة، سواء من خلال دعم صندوق النقد الدولي أو سيدر أو حتى الأموال المنهوبة، متسائلين كيف يمكن لها أن تبني تطلعاتها الاقتصادية والمالية على أساس تقديرات قد تبقى أرقاماً على ورق؟ ولذا وضعت جمعية المصارف ورقة مبنية على أسس مختلفة كلياً وتهدف إلى الانقاذ والمعالجة ولكن في الوقت نفسه الى الحفاظ على المودعين، وعلى ديمومة القطاع المصرفي ونموه، وإلا فإنّ انهياره حتمي.

 

ففي ما يتصل بالدين الداخلي الذي يحمله مصرف لبنان، تقترح جمعية المصارف انشاء صندوق تضع فيه الدولة بعض أصولها بقيمة 40 ملياراً يصدر على أساسها مصرف لبنان سندات مدعومة بهذه الاصول بفوائد غير مرتفعة مقابل الغاء كل الدين المستحق على لبنان، على أن يذهب الجزء المتبقي من أرباح استثمار هذه الأصول للدولة. ونكون بذلك بصدد المحافظة على ملكية الأصول بين مصرف لبنان والدولة، وسدّ فجوة الدولار.

 

أما بالنسبة للدين الخارجي، فيلفت هؤلاء إلى ضرورة التفاوض بشفافية وحسن نية للتوصل إلى تفاهم يمكن من خلاله اعادة هيكلة الدين الخارجي من خلال تخفيض الفوائد وتحميل الدائنين خسائر منطقية بشكل لا يؤثر على المودعين لا المساهمين.

 

نقطتان وحيدتان تشكلان خطّ التقاء بين الحكومة والمصارف، وهي الاصلاحات الهيكلية التي لا بدّ منها، والنظرة الاقتصادية التي تعبر عنها خطة “ماكينزي” ومشاريع “سيدر” للبنى التحتية.