على رغم الانقسام والاصطفاف السياسي، والحملات الاعلامية والسياسية المتبادَلة، لا يزال الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» منعقداً. وهذا يؤشر الى قوّة ومتانة «قرار الحوار» لدى الفريقين، ما ينبغي أن ينعكس حكماً على وضع الحكومة وعملها، ومستقبل الصراع حول الرئاسة والتعيينات الأمنية والعسكرية.
تعتبر مصادر مطلعة في قوى «8 آذار»، أنّ «صمود الحوار في البلد على رغم الكمّ الهائل من الضخّ الاعلامي والسياسي، يؤكّد صلابة القرار الذي يقف وراء استمراره، وهو قرار دولي – اقليمي بلمسة محلية تُعبّر عنها حاجات الطرفين للأمن والاستقرار في الظروف التي يعيشها لبنان والمنطقة».
وتضيف المصادر: «لو أنّ المناخات الاعلامية والسياسية التي رافقت معركة «جرود عرسال» جدّية، لطار الحوار ومعه الحكومة والامن والاستقرار في البلد، لكن من الواضح أنّ «كلمة السر» الاميركية الايرانية السعودية لا تزال قائمة وفيها تشديد على «الامن والاستقرار»، حتى إنّ مَن زار واشنطن في الايام والاسابيع الاخيرة سمع كلاماً أميركياً جدياً حول أولويات اميركا الحالية في لبنان، وعلى رأسها الحفاظ على الاستقرار، في حين وصف أحد الصحافيين الموقف الاميركي بأنه يتعامل مع استقرار لبنان بشيء من «القدسية». وهذا يشير بحسب المصادر عينها الى أنّ الامن في البلد أهم من الرئاسة والشغور وله الاولوية على ما عداه من ملفات.
اذا فُهم الموقف الاميركي، يصبح في الامكان فهم الموقف السعودي، وبالتالي تقدير أنّ «المستقبل» يدرك هذه الثوابت الاميركية – السعودية ويعمل ضمن إطارها ووفق شروطها. أما موقف إيران فتعتبره المصادر في قوى «8 آذار» منسجماً مع ما يريده «حزب الله».
فالحزب يخوض معركة كبيرة في سوريا، ولديه إطلالات إقليمية مهمة في كلٍّ من العراق واليمن، ولذلك من المنطق أن يعمل الحزب على «تحييد» لبنان لضمان عدم استعماله في المعركة الاقليمية ضمن محور المقاومة. هذه الرؤية كانت فعالة في الدفع لتأليف حكومة الرئيس تمام سلام، ويبدو أنّ النقاش الضمني الذي يخوضه الحزب حيال وضع الحكومة يصبّ في هذا الاتجاه.
وهنا تشير المصادر الى نقاش حصل في دوائر محددة ضمن «8 آذار»، تمحور حول الوضع الحكومي، ومستقبل الحوار، حيث كان ثمّة اتجاه يقول بضرورة الحفاظ على الحكومة في ظلّ الشلل الذي تعانيه مختلف المؤسسات، وكان ثمّة إتجاه آخر «وازن» يفكر بصوت عالٍ ويقول: «طالما أننا نشتبك مع السعودية في كلّ مكان، ما الفائدة من البقاء في حكومة محسوبة برئيسها ومعظم أعضائها على الرياض؟»
وتكشف المصادر أنّ الاتجاه الاول المتمثل بضرورة الحفاظ على الحكومة لا يزال قوياً داخل فريق «8 آذار»، من دون إغفال المعركة السياسية التي يخوضها العماد ميشال عون لتثبيت شراكة المسيحيين في الدولة وإيصال مَن يمثلهم الى المواقع القيادية في الدولة.
وفي هذا السياق تقول المصادر إنّ «حزب الله» يتفهم جيداً مطالب عون ويدعو للتعامل الجدّي معها داخل مجلس الوزراء وخارجه، لكنّ هذا لا يعني بالضرورة العمل على إسقاط الحكومة. بل ثمّة أساليب مختلفة يمكن اعتمادها في سبيل الضغط على «أصحاب القرار» لدفعهم الى التعامل الجدّي مع مطالب عون.
في ظلّ الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، وتعطيل المجلس النيابي والتآكل الذي يصيب الدولة، لم يبقَ غير الحكومة لتعمل على تسيير شؤون الناس، وإسقاطها في الوقت الراهن مستبعَد بالنظر الى إنعدام البدائل، وإلّا فإنّ سقوط الحكومة يعني حكماً الذهاب الى «مؤتمر تأسيسي» وهذا ما لم ينضج حتى الآن ولا أحد في وارد طرحه والظهور بمظهر الداعي الى تغيير الصيغة… كلّ الصيغة، وعليه تصير الحكومة ويصبح الحوار بديلاً عن الذهاب نحو نظام سياسي جديد لم تنضج ظروفه بعد.