كما في السرعة المطلوبة كذلك في البطء المقلق: تأليف الحكومة محكوم بمشكلة عميقة تحت سطح تسوية شكلية. ولا أحد يعرف الى اي مدى يطول الطريق الى الحكومة، وسط عطلة الفطر السعيد والانشغال بالمونديال في روسيا وحرب المراسيم والسجالات بين وزراء في حكومة تصريف الاعمال وحديث الصفقات. لكن الكل يعرف ان علمية التأليف كانت ولا تزال في لبنان تدار في مسار معاكس لتأليف الحكومات في الانظمة الديمقراطية البرلمانية التي ندعي اننا منها، حسب الدستور.
ذلك ان تأليف الحكومات هناك يبدأ بحوارات ونقاشات ومفاوضات بين القوى الممثلة في البرلمان للاتفاق على برنامج الحكومة السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي والثقافي والمشاريع الضرورية للبلد، ثم تتألف الحكومة من المتفقين كفريق عمل لتنفيذ البرنامج والمشاريع. والتأخير، كما في النموذج الايطالي والبلجيكي والالماني، قد يصل الى اشهر بسبب الوقت الذي يأخذه تذليل الخلافات والعقبات للاتفاق على البرنامج. وهذا ما رأيناه في تأليف الحكومة الاخيرة للمستشارة الالمانية انغيلا ميركل.
وهنا، على العكس، يدور التفاوض على الحصص ونوعية الحقائب من دون البحث في البرنامج والمشاريع وتأمين التفاهم عليها، بحيث تؤلف حكومة تبدأ بالخلاف حتى على البيان الوزاري الذي هو مجرد انشاء عربي، ولا تنتهي بمعارك على مشاريع وسجالات على صفقات وتبادل اتهامات بالسرقة والفساد. وهذا طبعا، بصرف النظر عن الرهانات على قوى خارجية والحرص على ما يرضيها واستبعاد ما يغضبها في تركيب الحكومة. فالبلد منكوب فوق احماله الثقيلة باعلاء المصالح على القيم وبالجوع الى المال والسلطة. والمفارقة ان الجوع يشتد بمقدار ما تزداد الأزمة الاقتصادية حدة الى درجة الاقتراب من الافلاس، ويترسخ البؤس السياسي وتنحدر النوعية داخل التركيبة السياسية الى مستويات دنيا، مع استثناءات معدودة.
والمفارقة الأكبر في القتال على الحصص وحصر كل فريق ضمن الحدود المذهبية في تسمية الوزراء ان مجلس الوزراء ليس مركز القرار بالمعنى العملي، وان كان كذلك في الدستور. فالقرار يتم التوافق عليه خارج المجلس الذي هو مجرد مركز للخدمات. ومن هنا سباق الحقائب الوازنة بعد بدعة الوزارات السيادية التي صارت محجوزة منذ الطائف لأربعة مذاهب، خلافا للعرف والممارسة والتقاليد والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل حسب مقدمة الدستور.
في خمسينات القرن الماضي نالت شهرة واسعة مسرحية لجون اوزبورن تحت عنوان: انظر الى الوراء في غضب. اليوم يعيش اللبناني في واقع عنوانه: انظر الى الوراء في حنين، انظر حواليك في حزن، وانظر الى الامام في قلق.