أُعلن يوم الخميس الماضي في مجمّع البيال عن ولادة حكومة نداء 25 حزيران المدنية والمكوّنة من قوى العمل والإنتاج، من اجل إنقاذ لبنان من الانتحار السياسي الذي تقوده حكومة ٢٥ أيار ٢٠١٤، أي سلطة الشغور الرئاسي. وقد تزامن ذلك مع فشل جلسة المجلس النيابي الـ٢٥ لانتخاب رئيس للجمهورية، وقبل الاجتماع الوطني غداً في 28 حزيران لإعلان الهيئة التأسيسيّة للمجلس الوطني لمستقلّي ١٤ آذار في مجمع البيال أيضاً.
إن إعلان ولادة حكومة نداء 25 حزيران الإنقاذية الوطنية على أساس لبنانيّ عملانيّ وإنتاجيّ وأهلي بمثابة حكومة منفى، وهي إرادة حقيقيّة بالخروج من لبنان الطائفي الذي سيطر على البلاد ومواردها ومؤسّساتها الدستورية والأمنية والإدارية، وأجهض كلّ تقدّم وازدهار قام به القطاع الخاص، مستثمرين وعمّال ومهن حرّة، وهم من أبقوا لبنان على قيد الحياة طيلة خمسة وتسعين عاماً، أي منذ إعلان دولة لبنان الكبير حتى الآن.
تأتي تجربة الإعلان عن المجلس الوطني المحرّر من القيد الطائفي والمناطقي وعلى أساس الانتماء الى لبنان التجربة الوطنية الفريدة، بعيداً عن الانتحار الطائفي والنحر المذهبيّ، وهي بمثابة تقدّم أهليّ نحو تحقيق الدستور اللبناني المتمثّل بوثيقة الوفاق الوطني، والتي قالت بقيام مجلسين، واحد طائفيّ والآخر محرّر من القيد الطائفي، لإنقاذ لبنان من الانتحار السياسي الدائم الذي تسبّبت به الطائفية كإطار تمثّيليّ وحيد للبنانيّين في الدولة الوطنية اللبنانية، تمثيلاً وإدارة.
تأتي ولادة حكومة نداء ٢٥ حزيران المدنية من ممثّلي كل القطاعات الإنتاجية على أساس أنّ سلطة الشغور الرئاسي، أي حكومة ٢٥ أيار، في طريقها الى الانتحار.. والشواهد كثيرة وهي أوضح من الواضح مع تلك الخفّة والعبث والجنون في إدارة الشأن العامّ في أدق مرحلة من حياتنا السياسيّة، وفي ظروف إقليمية ودولية بالغة الخطورة والهول. إن تلك المبادرة تحمل الكثير من الأمل بإنقاذ لبنان، وتؤكّد على خيار الدولة المدنية الحديثة التي اغتيل من أجلها رفيق الحريري شهيداً ومعه كوكبة من الشهداء الأحياء والأموات.
تتكامل تلك الإرادة المدنية الوطنية مع مستقلي ١٤ آذار بعيداً عن الهواجس الطائفية القديمة والحديثة، والتي ثَبت أنّه لا خلاص منها إلا بالدولة المدنية المحرّرة من القيد الطائفيّ، مع الحفاظ على التنوّع الطائفيّ في إطار مجلس تمثيليّ يحفظ التنوّع اللبناني ليكون مصدر غنى وتنوّع وليس محلّ اضطراب وقلق يستحيل معه تحقيق التقدّم والازدهار الذي تجلّى دائماً عبر التجربة الوطنية اللبنانية على مدى عقود طوال، علماً وعمراناً وثقافة وفنوناً وإنتاجاً واستثماراً وحريات وجمعيات، والتي حفظت لبنان في أيّام الحرب والسلام.
إنّه لمن المؤسف أن تكون القوى السياسية الطائفية لم تتعلّم من التجارب الانتحارية المتكرّرة والتي أودت بحياة مئات الألوف من أبناء لبنان وأحدثت الدمار والخراب والتهجير، واستقدمت الاحتلالات والويلات وتسبّبت بالهجرة لمئات الآلاف من خيرة اللبنانيات واللبنانيين الى بلاد الاغتراب والأسواق العربية. وهي الآن تكرّر ذات الخطيئة، ولا مانع لديها أن تتسبّب مرّة أخرى بذات النتائج. وهذا ما أسمته حكومة نداء ٢٥ حزيران بالانتحار وهو في الحقيقة نحر لبنان.
تستطيع كل لبنانيّة وكل لبنانيّ أن تعدّد المآسي والهفوات اليومية التي يتعرّض لها لبنان واللبنانيون من مكوّناتهم السياسية الطائفية، وهذا لا يحتاج الى إيضاح أو ذكر لهذه الخطيئة أو تلك ولهذا الفريق أو ذاك الفريق، فالأمور واضحة من الشغور الرئاسي الى التعطيل التشريعي الى التعطيل الحكومي، إن لم نقل العبث الحكومي بصلاحياتها الاستثنائية التي تُدار بغوغائيّة تدميريّة، وكأنّها لجنة طلاب في مدرسة ابتدائية.
لا بد من أن تتكامل جهود حكومة نداء ٢٥ أيار الأهلية الإنقاذية مع جهود المجلس الوطني، وكلاهما غير طائفي وغير مناطقي، لأن في ذلك التكامل في هذه الظروف الاستثنائية والدقيقة إنقاذ لمجتمع الدولة المدنية اللبنانية، المتحققة مجتمعيّاً وعمليّاً ومهنيّاً وعمّالياً، وغير المتحققة سياسياً وحكومياً وبرلمانياً.
إنّ التحدّي كبير والمسؤولية كبيرة والأخطار كبيرة جداً جداً، والإمكانات متواضعة وتحتاج الى إرادة صلبة وإيمان عميق بالتجربة الوطنية العميقة التي عبّرت عن نفسها تألّقاً وازدهاراً في أكثر من حقبة من تاريخ لبنان الكبير، وفي كل المجالات الصناعية والصحيّة والتجارية والإعلامية والزراعية والسياحية والفنية والرياضيّة والمصرفية والعمّالية والحزبية والتربوية والمدنية.
ويبقى السؤال الكبير: هل تستطيع حكومة نداء ٢٥ حزيران والمجلس الوطني إنقاذ حكومة ٢٥ أيار، أي سلطة الشغور، من الانتحار ومن الاغتيالات القادمة، الشخصية والسياسية، والتفجيرات الإرهابية، الواقعة لا محالة، مع الحزن والأسف الشديد؟