IMLebanon

حكومة قبل وارسو؟

 

يشكّل المؤتمر الدولي-الإقليمي الذي تستضيفه بولندا في ١٣ و ١٤ شباط المقبل تحت عنوان مواجهة الدور الإيراني محطة مفصلية لمنطقة الشرق الأوسط التي ستدخل بعده في مرحلة جديدة وساخنة بامتياز، وبالتالي إما أن تشكَّل الحكومة قبله أو لا حكومة في انتظار نتائجه.

 

حاول «محور الممانعة» تطيير القمة العربية في بيروت لسببين: الأول مسايرةً للنظام السوري الذي لا يستطيع تحمُّل انعقاد قمة عربية في بيروت من دون مشاركته، خصوصاً أنه كان الحاكم الفعلي لدمشق وبيروت، وبالتالي لا يمكنه رؤية نفسه معزولاً فيما بيروت تستضيف القمم، ولذلك حاول تطييرها، وعندما عجز عن ذلك لجأ إلى ضرب مشهديّتها من خلال إضعاف عنصر المشاركة فيها.

 

والسبب الثاني هو أنّ معظم الدول المشاركة في قمة بيروت ستشارك في قمة وارسو، وبالتالي أراد «محور الممانعة» توجيه رسالة إلى هذه الدول فحواها أنه غير مرغوب بها في بيروت.

 

وعلى رغم ذلك انعقدت القمة في بيروت بين إصرار على انعقادها وإصرار على تفشيلها، وفي ظلّ وجهة نظر تقول إنّ الهدف كان المزاوجة بين انعقادها وتجنيب لبنان مواجهة داخلية تؤدي إلى تطييرها، ولكنّ السؤال الأساس يبقى «ماذا بعد القمة؟». وهل يتّجه الوضع إلى مواجهة سياسية داخلية على خلفية ما رافقها؟ وهل يمكن أن يصار إلى إعادة تحريك ملف التأليف بقوة من أجل إنهاء الفراغ قبل قمة وارسو؟ وهل من مصلحة طهران تأليف الحكومة في لبنان قبل وارسو أو عدم تأليفها؟

 

قد تصعب الإجابة على أيّ من هذه الأسئلة، ولكن الثابت انّ المنطقة أمام مرحلة جديدة يصعب معها أيضاً تقدير المنحى الذي ستسلكه الأمور خصوصاً لجهة قرارات وارسو وآليات ترجماتها على أرض الواقع، إلّا انّ المنطق السياسي يقول إنّ «حزب الله» سيدفع باتّجاه تسريع ولادة الحكومة لثلاثة أسباب أساسية:

 

السبب الأول، لأنّ لبنان قد لا يستطيع تشكيل حكومة تضمّ «حزب الله» في مرحلة ما بعد وارسو، ويجب توقع أيّ شيء على هذا المستوى، خصوصاً انّ التركيز سيكون على لجم الدور الإيراني في كل المنطقة وفي الطليعة دور الحزب والفيتو المتوقع عليه، وذلك على رغم كل ما قيل ويقال عن تفهّم واشنطن للخصوصية اللبنانية.

 

المخاوف من وارسو قد لا تكون في محلّها، ولكن لا يمكن لطرف مثل «حزب الله» سوى أن يضع في حساباته كل الاحتمالات، فيما من الأفضل للحزب أن يكون، في مرحلة من هذا النوع، داخل حكومة مؤلفة حديثاً وتحظى بالشرعية المطلوبة على أن يكون خارجها، خصوصاً انّ الموقف الرسمي حيال وارسو ورفض قراراته لبنانياً يكون أقوى في ظلّ سؤال مركزي: هل سيكرّر لبنان الرسمي موقفه المفترَض من وارسو على غرار موقفه من القرار 1559؟

 

السبب الثاني، لأنّ خيار الفوضى، إذا كان هدفاً للردّ على وارسو، يمكن سلوكُه في ظلّ حكومة أو من دونها، فيما من الأنسب للحزب أن يكون مستعداً للمواجهة وكل الخيارات في جعبته.

 

السبب الثالث، لأنّ التوازنات الخارجية والداخلية لن تتيح له تحسين ظروف الحكومة العتيدة في حال كان يسعى في هذا الاتّجاه، وبالتالي من الأنسب للحزب ولادتها اليوم باعتبار أنّ مرحلة ما بعد منتصف شباط مفتوحة على شتى الاحتمالات.

 

وعليه، فمن مصلحة «حزب الله» هذه المرة تشكيل الحكومة، ولذلك سيدفع في هذا الاتّجاه سريعاً من خلال إيجاد مخرج يزاوج بين تمثيل «اللقاء التشاوري»، وبين حفظ ماء وجه الوزير جبران باسيل في ظلّ معلومات تردّدت عن إحياء التفاهم بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» على قاعدة المقايضة القديمة ذاتها، وقوامها أن يعطي التيار الحزب في القضايا الاستراتيجية مقابل أن يعطي الحزب التيار سلطة ونفوذاً، ويبدو انّ هناك توجّهاً لإعادة العمل بهذه المقايضة.

 

وفي السياق ذاته، بات العهد بأمسّ الحاجة الى حكومة، وهو غير متحمِّس لتفعيل حكومة تصريف الأعمال. أمّا «حزب الله» فيستطيع أن يكتفي بمقدار الرسائل التي وجهّها للعهد بأنه قادر على إبقائه من دون حكومة وإفشال قمة عربية كان يراهن عليها لإدخالها في سجلّ إنجازاته كما إفشال كل ما ينوي تحقيقه، وكل ذلك من أجل إبقائه ضمن سقفه الاستراتيجي، فيما العهد لا يستطيع أن يدخل في مواجهة مكشوفة مع الحزب، ولا الأخير في وارد خسارة غطاء رسمي وغطاء شعبي مسيحي سيحتاج إليه في مرحلة ما بعد وارسو.

 

ولكنّ الأكيد انّ الاتفاق الحكومي لا يشمل أيّ اتفاق رئاسي، وتجديد المقايضة بين الحزب والتيار هو مع العهد وليس مع مرحلة ما بعده، ولكن هل ما تقدّم يعني أنّ البلد أمام حكومة؟ وفي الإجابة: على الأرجح كذلك.