«الشورى» لقرار تاريخي يحفظ استمرارية الدولة
الحكومة بين الاستمرار بالمخالفات.. وتعيين وصي قضائي
ليس مبالغة أن يقال إنّ السلطة تنفق وتجبي منذ العام 2006 وحتى اليوم، خلافاً للقانون والدستور. كل أركانها يعرفون ذلك، ويعرفون أنه طالما لا يوجد موازنة فإن كل البدائل التي يعتمدونها لا تعدو كونها محاولات لتجميل صورة المخالفات.
ثمة مفاهيم تحولت مع الزمن إلى «عادة». على سبيل المثال صار الصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية أمراً محموداً وغير قابل للنقاش في قانونيته. بعد عشر سنوات على آخر موازنة، يخرج من يحاضر في قانونية الصرف على أساس هذه القاعدة، بالرغم من أن القانون ينص على أن استعمالها ينحصر في شهر واحد يلي انتهاء العام المالي وليس عشر سنوات. لم يقتصر الأمر على اعتماد هذه القاعدة للاستفادة من موازنة العام 2005.. حتى الاعتماد الإضافي الذي أقر لتغطية جزء من صرف العام 2012 حصراً، يستعمل لتغطية نفقات العامين 2013 و2014.. أما الحجة، فدائماً القاعدة الاثني عشرية!
بتاريخ 11 أيلول، خرج بعض المتضررين من المخالفات المتكررة للقانون والدستور ليقولوا كفى.. كاسرين عدداً من «بديهيات» عمل السلطة الإجرائية في السنوات الأخيرة. فوجئ اللبنانيون في ذلك التاريخ بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة تدعو إلى «اتخاذ إجراء احترازي للإشراف والرقابة على التصرف بالأموال العامة ودفع تعويضات للجهات المستدعية المتضررة، وإبطال قرارات إدارية لتجاوزها حد السلطة». ولما كان الطعن أمام الشورى يجب أن يكون ضد قرار ما، فقدم الطعن بالقرار المتخذ في مجلس الوزراء بتاريخ 24 تموز 2014، بعنوان «تأمين الاعتمادات المطلوبة للرواتب والأجور وملحقاتها من احتياطي الموازنة العامة»، وهو ما يفتح عملياً الباب أمام طرح كل المخالفات السابقة واللاحقة أمام قوس القضاء.
أما المستدعون فهم الرئيس حسين الحسيني، النائب غسان مخيبر، الوزراء السابقون الياس سابا وشربل نحاس، النائب السابق نجاح واكيم وغادة اليافي.
من يقرأ نص الدعوى المقدمة إلى شورى الدولة يشعر بثقل المخالفات من ناحية، وبخواء الدولة ومؤسساتها من جهة ثانية. حتى من يعرفون ويتابعون تطور مسار ترهل الدولة.. تستوقفهم الدعوى التي تكدس المخالفات منذ العام 1993، إن كان لناحية عدم شمولية الموازنة أو لعدم الالتزام بالمواعيد الدستورية لتقديمها أو لعدم وجود حسابات سليمة.
كل ذلك، ظل بسيطاً بالمقارنة مع ما اقترفته الحكومات الأربع الأخيرة والتي كانت تتصرف بالمال العام بدون موازنات وبحجج لا تستقيم قانونياً ولا دستورياً، من خلال: الإنفاق على أساس مشروع قانون الموازنة من دون إقراره في مجلس النواب، الإنفاق على أساس موازنات سنوات سابقة بادعاء تطبيق القاعدة الإثني عشرية، السحب من قروض سحبت بمجملها لا بل تم تسديدها، إعطاء الحكومة سلفات لذاتها وتمديد مهل سحبها إلى ما بعد الفترة القانونية وعدم تسديدها وفق القانون.
في الجباية لم يكن الوضع أقل سوءاً. استمرت هذه الحكومات بجباية الضرائب والرسوم خلافاً للمادة الثالثة من قانون المحاسبة العمومية المتعلقة بتعريف الموازنة والتي تنص على أن «الموازنة صك تشريعي تقدر فيه نفــقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة وتجاز بموجبه الجــباية والانفاق». أي أنه بغياب الموازنات منذ 2005، كان يفترض أن تسقط شرعية الجباية أيضاً.
مقابل كل الموبقات المالية، وما سبق ليس سوى الجزء اليسير منها، لم يقم المجلس النيابي بدوره بالرقابة والمحاسبة، إنما تغاضى عن معظم المخالفات. ما أدى عملياً إلى عدم بقاء أي سلطة قادرة على فرض تطبيق القانون سوى القضاء.
رفع دعوى تطالب بوقف مهزلة الصرف المخالف للقانون قد يكون أمراً سهل الفهم، لكن رفع دعوى أمام «شورى الدولة» تطالب القضاء بتعيين هيئة إشراف قضائي على الأموال العامة فذلك أمر يشكّل، إن حصل، سابقة في تاريخ القضاء اللبناني. إذ أنه قد يكون من الطبيعي أن يصدر القضاء الإداري قرارات إدانة لمخالفين أو لإيقاف مخالفات، إلا أن تحويله إلى وصي على التصرف بالمال العام، فذلك هو بيت القصيد.
وبالرغم من أن مقدمي الدعوة هم ستة أشخاص لهم مصلحة في إبطال قرارات الإنفاق وعمليات الجباية وعمليات الاستدانة الحاصلة لتجاوزها حد السلطة ومخالفتها الدستور والقوانين، إلا أن الضرر إذا ما وقع فإنه سيطال نحو 200 ألف موظف، وتهديد استمرار تأدية الوظائف الحيوية والأساسية للدولة.
المطلوب إذاً لتدارك الأسوأ، بحسب مقدمي الدعوى، أن يكون كل قرار إنفاق أو جباية مبرراً قضائياً وموافقاً عليه من تلك السلطة، طالما أنه ليس صادراً بصك تشريعي. هم يرون أن تلك الطريقة هي الوحيدة القادرة على حماية المالية العامة وإيقاف مخالفة القانون.. بانتظار عودة الموازنات لتكون السند القانوني لكل عمليات الصرف والجباية.
تقنياً، وبحسب مقدمي الطعن، فإن أي أمر آخر سيعني استمرار التسيب في المال العام أو الاعتماد على قرارات باطلة، ما يهدد استمرارية الوظائف الحيوية للدولة. ولكن عملياً، فإن لا نصوص في القانون اللبناني تعالج مضمون الدعوى، لكن المدعين يجدون أنه طالما أن المراجعة شكلاً تراعي الأصول القانونية فإن الباقي متروك لاستنساب القاضي.
ولأن الضرر المتأتي من القرار المطعون فيه مستمر ومتماد، ما يدعو مجلس شورى الدولة لاتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة العاجلة لمنع تفاقم هذا الضرر، فقد دعا هؤلاء المجلس إلى اعتماد الأصول الموجزة، والتي تقضي بأن يتم الرد على الدعوى في غضون 15 يوماً.
«الرقابة على الاموال العامة»
مر أكثر من شهر من دون أن يبت في الدعوى. لذلك، فإن «معهد المحاماة في نقابة المحامين» يعيد تحريك الموضوع من ألفه إلى يائه، من خلال الندوة التي تعقد اليوم، في نقابة المحاماة، بعنوان «اتخاذ إجراء إحترازي للإشراف والرقابة على التصرّف بالأموال العامة». فيتحدث بداية نقيب المحامين جورج جريج، ثم النائب غسان مخيبر الذي يتناول «ظروف المراجعة ومضمونها». ويتشارك الوزيران السابقان شربل نحاس والياس سابا بمناقشة مسألة «إدارة المالية العامة وأداء السلطات التشريعية والإجرائية والقضائية»، فيتحدث نحاس عن «آليات وضع الموازنة ومناقشتها وإقرارها، بين الدستور والممارسة»، فيما يتطرق سابا إلى «آليات تنفيذ الموازنة والرقابة عليه، بين الدستور والممارسة».
أما الختام فيكون مع الرئيس حسين الحسيني الذي يتحدث عن «إدارة المال العام أساساً لشرعية السلطة وانتظام الدولة».