Site icon IMLebanon

الحكومة بين مطرقة الشارع وسندان السياسيين

بين عناوين وخلفيات وأهداف الحراك المدني الشعبي، وبين عناوين وخلفيات واهداف مبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية، ثمة فارق جوهري يتمثل في السؤال: هل هذه الطبقة السياسية الحاكمة والمشكو منها، ما تزال قادرة على اجتراح حلول للازمات التي يعانيها المواطن والتي كانت سبب تحركه في الشارع؟ وهل يتحقق الاصلاح المنشود على يد الطبقة غير الاصلاحية والمتهمة بالفساد والتي يطالب الشارع برحيلها؟

الرئيس بري حدّد جدول اعمال الحوار بـسبع نقاط، هي: البحث في رئاسة الجمهورية، عمل مجلس النواب، عمل مجلس الوزراء، ماهية قانون الانتخابات، ماهية قانون استعادة الجنسية، مشروع اللامركزية الإدارية، وموضوع دعم الجيش اللبناني.

ومن بين عناوين جدول الأعمال هناك اربع نقاط سياسية ينادي بها المعترضون في الشارع: رئاسة الجمهورية وقانون الانتخابات النيابية واللامركزية الادارية (بمعنى تعزيز قدرة الادارات المحلية على تلبية حاجات المواطن)، وتحريك عمل الحكومة أي السلطة التنفيذية لتلبية حاجات الناس بشكل يؤمن العدالة الاجتماعية والخدمات العامة بما يليق بكرامة المواطن.

لكن الرابط بين الحراك الشعبي الذي تتولاه بعض الجهات التي تحوم حولها علامات استفهام، وبين الحراك الرسمي الذي يبدو مفتعلا لاستيعاب غضب الشارع وتنفيس احتقانه، ان التحركين لن يجدا حلولا جذرية للمشكلات القائمة، لأن الشارع لا زال غير مهيأ وغير مستعد لتحقيق ضغط عارم يبدل الاحوال الى الافضل بسبب التركيبة الطائفية والمذهبية المتحكمة، وبسبب غياب الثقة ببعض من يقود الحراك وغياب البرنامج البديل الممكن تحقيقه، ولأن السلطة القابضة على امور البلاد لا تمتلك رؤية اصلاحية شاملة نتيجة اصرارها على المحاصصة في ادارة البلاد والعباد، فتنتج بالتالي حلولا مرتجلة و «ترقيعية» كما حصل في الملف الذي فجر الشارع وهو ملف النفايات.

وفي اعتقاد جهات سياسية محايدة متابعة للحراك الشعبي، ان الشعارات والاساليب والخلفيات، وان اختلفت، هدفها واحد هو ضرب الفساد وتحقيق الاصلاح، بينما ترى جهات اخرى ان المعترضين توجهوا الى العنوان الخاطئ للمحاسبة، فهذه الحكومة ليست هي المسؤولة عن الفساد والهدر وتراكم الازمات، بل هي ورثت تركة ثقيلة نتيجة سياسات خاطئة اتبعتها معظم الحكومات على مدى السنوات العشرين الماضية، وبالتالي لا يمكن طلب الاصلاح بين ليلة وضحاها من جهة غير مسؤولة، بينما المرتكبون متوارون اما خلف طوائفهم واما خلف حماياتهم الاقليمية والدولية.

ويبدو ان الرئيس تمام سلام الذي يحمل وزر السنوات العجاف الماضية، يحاول ولو تحت الضغط، تخفيف حدة الازمات عبر محاولة تحريك مجلس الوزراء ولو بأقل انتاجية ممكنة وبأكبر سرعة ممكنة، برغم العراقبل التي تضعها «النفايات السياسية» (على حد تعبيره) امام عمل الحكومة، فاعاد تحريك اللجنة الوزارية المعنية بملف النفايات كانطلاقة جديدة لعمل الحكومة، وهو سيدعو بحسب مصادر وزارية الى جلسة لمجلس الوزراء يوم غد الجمعة او في اقرب فرصة ممكنة، اذا توافقت القوى السياسية على حلول آنية سريعة لمشكلة النفايات، في مقدمتها ايجاد مطامر ولو مؤقتة، ريثما يعاد اجراء مناقصة الشركات التي ستتولى المعالجة الشاملة لاحقا.

ويعول الرئيس سلام بطبيعة الحال على جلسات الحوار التي دعا اليها الرئيس بري، كفرصة جديدة – وربما تكون اخيرة – لازالة العراقيل امام عمل الحكومة وايجاد حلول للمطالب الشعبية الملحة، حيث ان المطلوب حاليا بنظر الكثيرين من داعمي الحراك الشعبي، تحسين اداء السلطة اذا تعذر تغييرها، وتقديم ما يؤمن للمواطن حدا أدنى من الاستقرار والامان الاجتماعي.

واذا كان الرئيس سلام يتحرك بين سندان الحراك الشعبي ومطرقة خلافات القوى السياسية فهو، حسب زواره، مصرّ على تفعيل عمل مجلس الوزراء ولن يترك البلد لحال الفوضى التي تنتشر في المحيط العربي، والتي ترى مصادر وزارية أنها في حال وصلت الى لبنان ستكون تأثيراتها اخطر واكبر واسرع نظرا لسهولة انكشاف البلد اذا رفعت عنه الحماية الاقليمية والدولية القائمة حاليا.