يتحسّر اللبنانيّون مع إحساسهم بلفحات حرارة الصّيف على انهيار السياحة الداخليّة في لبنان بعدما تحوّلت في الأعوام الماضية إلى عكّازٍ لموسم الصيف والقطاع السياحي الّذي يتّكل عليه بوصفه وقت الذّروة للموسم، أيضاً السياحة الداخليّة لفظت أنفاسها كما كلّ القطاعات في لبنان، بل كما لبنان نفسه، لم يعد باستطاعة فندق أو مطعم أو مقهى أن يمنّي نفسه بالزّبون اللبناني ليعوّضه تعويضاً هزيلاً عن السّائح العربي.
بالتّأكيد يتذكّر اللبنانيّون ما أعلنه قبل أشهر رئيس الجمهوريّة بأنّه «لن أترك لبنان يسقط»، نحن الآن تحت قعر القعر في السقوط، بالطبع أثبت السّقوط والتيتانيك التّي تحدّث عنها الرئيس والأيّام أنّ فخامته لا يملك خطّةً لإنقاذ البلاد، وأنّه لا يملك حتى برنامجاً أو خطوات جديّة تدرأ عن البلاد ما غرقت فيه، وهنا لا بدّ من التّنبيه إلى أنّنا لا نغمز من قناة الرئيس ـ فالقارىء يعرف أنّنا نضع إصبعنا على كل الجروح اللبنانيّة مباشرة ـ وأنّنا من القائلين بأنّ ما يحدث في هذا العهد هو تراكم سياسات العقود الثلاثة الماضية التي ينوء تحت ثقل آثامها ظهر لبنان حدّ الإنكسار، ولكن من الدّقيق أيضاً أن نقول أنّ صهر العهد جبران باسيل وتيّاره فعل في السنوات العشر الماضية أكثر مما كان يُفعل في تسعينات القرن الماضي!!
في هذا الوقت المزري من تاريخ لبنان وأزماته الكثيرة ننتظر أن يجد اللبنانيون من يأخذهم على محمل الجدّ ويحترم عقولهم وأن يصارحهم بعيداً عن العناوين العامّة الواهية، التي لا تزيد الأمور إلا غموضاً، صحيح أنّ حكومة الدكتور حسّان دياب عاجزة تماماً على تغيير حرف في هذا الواقع اللبناني المزري، ولكن من الصواب أيضاً أن نقول إنّ أي حكومة غيرها وكائناً من كان رئيسها سيكون وضعها مطابق تماماً لوضع حكومة دياب، ولن يكون بإمكانها تغيير أي حرف في الواقع المالي والاقتصادي والسياسي والتربوي وكلّ ما بالإمكان حشده من قطاعات لبنان المنهارة!!
أي حكومة، وأيّ رئيس حكومة لن يستطيع أن يفعل شيئاً، المأزق الحقيقي ليس في أزماتنا المستعصية على الحلّ، ولا في النهاية التي ستسفر عنها الجولات الطويلة مع وفد البنك الدولي التّي في الغالب لن تسفر عن إنقاذ لبنان لأنّ لبنان ليس مصر، والرئيس اللبناني لا يمتلك السلطات الواسعة التي يمتلكها الرئيس المصري الفريق عبدالفتّاح السيسي، فمصر دولة صناعيّة كبرى تملك كلّ الصناعات الأساسيّة من الصناعة الغذائية إلى صناعة السّلاح، حتّى على المستوى السياحي وبالرّغم من كون مصر دولة كبرى على المستوى السياحي لا يتناسب الحديث عن السياحة في مصر السياحة في لبنان، إذ لا تتّكل مصر على السّائح الخليجي العربي كلبنان الضعيف، وأيضاً لا يملك الرئيس اللبناني الإجماع حول شخصه الذي يمتلكه الرئيس المصري، بل على العكس فقد الرئيس اللبناني ميشال عون الالتفاف الذي حازه بعد التسوية والذي فقده كلّه بـ»فضائل» صهر العهد جبران باسيل وسلوكه المتسلّط على كل الأفرقاء اللبنانيّين ومنازعتهم ومناكفتهم إلى أن انهارت التسوية بما ومن فيها وعليهم أيضاً، وإنّـما سقنا هذا الكلام لأنّ البعض يظنّ أنّ الوضع اللبناني قد تسفر مفاوضاته مع فريق البنك الدولي عن النتيجة الناجحة التي أسفرت عنها مع مصر، وهذا من رابع المستحيلات!
المأزق الحقيقي للبنان وشعبه وأزمته الكبرى هي في وضعه السياسي الذي لطالما كان معقّداً، إذ لطالما كان هناك فريق بل «طائفة» تصرّ على اختطافه رهينة أجندات لهذه الدولة أو تلك، ظلّوا يتغنّون بالعروبة أيام جمال عبد النّاصر حتى ابتلي لبنان بتسليح الفلسطينيين بعد هزيمة العام 1967 ثمّ دفع لبنان ثمن إخراج الفلسطينيين من الأردن اتفاق القاهرة عام 1970 وهكذا إلى أن وصلنا إلى الأجندة الأخطر في تاريخه وتاريخ المنطقة، أزمة لبنان الكبرى أنّه رهينة يختطفه حزب الله لمصلحة إيران، وهو اليوم يدفع مالياً وإقتصاديّاً أثماناً مدمّرة له ولشعبه طالما هذا الحزب مصمّم على ربط مصيرنا بمصير محور الشرّ، ولتكمل مع الشعب اللبناني الّذي لا تكفيه العقوبات التي يدفع ثمنها من جانب البلاء الإيراني حتى يحاصره البلاء السوري مع قانون قيصر، فأيّ حكومة كائناً من كان رئيسها تستطيع مواجهة هذا المصير المشؤوم؟!