وضعت بعض الاوساط الحراك السياسي على مستوى الصف الاول، الذي اعقب الأحداث المقلقة في عطلة نهاية الاسبوع، في اطار السعي الى تغيير حكومي. وعلى وقع نفي اصحاب الحركة اي بحث في مصير الحكومة، فقد عبّرت التسريبات عن رغبة دفينة لدى بعض اهل الحكم في التغيير، من دون ان يثبت انّه آن اوانه او انّ في قدرتهم تحقيق ذلك الآن. فلماذا وكيف؟.
ليست المرة الاولى التي تتردّد فيها الأخبار والتسريبات عن مواعيد محتملة لاستقالة رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب. فقبل الايام المئة الاولى على نيله الثقة من المجلس النيابي، توالت السيناريوهات عينها، دون ان يكون لها اي صدى في السرايا الحكومية، وفي اي موقع رسمي آخر. بل على العكس، توالت التصريحات المباشرة وعبر المصادر، لتؤكّد انّ التركيبة السياسية التي جاءت بالحكومة الأخيرة تسعى بما لديها من قوة لتعزيز دورها في مواجهة سلسلة الملفات المطروحة بمعزل عن اي سيناريو آخر.
وقد بقي صدى مثل هذه التسريبات محصوراً بمنتديات سياسية وحزبية ضيّقة جداً، قبل ان تتعدّد الإشكاليات وتسوء العلاقات بين ابناء الصف الواحد من البيئة الحاضنة للحكومة. ولكن على رغم انعكاساتها المحتملة، فقد تجاوزت الحكومة مجتمعة محطات تهديد رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية باستقالة وزيريه، عندما احتدم النقاش حول التعيينات في مصرف لبنان والمؤسسات الدائرة في فلكه، واستئثار رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» بالتعيينات المسيحية منها. ومن بعدها تجدّد السيناريو عينه، مع التهديد باستقالة وزيري حركة «امل»، عند البحث في إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من دون ان يكون لها اي منحى فعلي.
في موازاة المواقف المعلنة هذه، وقبل ان يهدّد رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل امس، بالانسحاب من الحكومة ما لم تقرّ التعيينات الادارية والمالية، لا يتجاهل المراقبون رغبات البعض من اهل البيت الحكومي بالتغيير الحكومي. وان فكّر قسم منهم بتعديل وزاري، في إشارة الى تحذيرات رغب بتوجيهها الى بعض من وزرائه ضمناً، بتهمة ارتكاب اخطاء فادحة والتقصير في مواجهة استحقاقات حسّاسة كبرى. فقد تمّ تجاوزها على خلفية انّ العجز ليس فردياً بمقدار ما هو عجز جماعي يطاول الحكومة بكامل مكوناتها. وخصوصاً عندما تعدّدت الآراء في مواجهة التعيينات الادارية والمالية، مضافة الى عدم القدرة على لجم ازمة فقدان الدولار وتدهور سعر العملة الوطنية. ولا تسقط من اللائحة عينها مجموعة الأزمات المتعددة الوجوه في القطاعات الاقتصادية والانتاجية والبيئية، وما عكسته من ازمة بطالة وجوع، استدرجت اللبنانيين الى الساحات والشوارع رغم تداعيات ازمة الكورونا. ومع ذلك فقد قيل تبريراً، انّ الحكومة لا تستطيع حسم مثل هذه الملفات نظراً الى حجمها ومعالجة اسبابها البعيدة المدى التي جاءت بها، سواء تلك الخارجية منها او الداخلية.
وعلى رغم من كل هذه الوقائع التي لا تحتاج الى الكثير من الإضاءة عليها، فقد تجدّد الحديث في الساعات الأخيرة عن احتمال استقالة رئيس الحكومة على خلفية ما نشأ من خلافات بينه ورئيس «التيار الوطني الحر» ومكونات اخرى في الحكومة من ملف التعيينات. ففي الوقت الذي لم تتجاوز «حكومة التحدّيات» بعد تداعيات ملف إحياء معمل سلعاتا لإنتاج الطاقة الكهربائية وإعادته الى لائحة المعامل ومحطات التغويز، وما انتجته المداولات من مسّ بهيبة وموقع رئيس الحكومة وصدقية الوزراء، الذين بدّلوا مواقفهم في غضون اسبوعين، جاء التفاهم الجديد على سلّة التعيينات الادارية، بعد احياء المالية منها، في اجواء استدعت سرعة البتّ بها لأسباب شخصية وسياسية، دعت الى تجاوز ما يقول به نظام الموظفين في تحديد نسبة المعينين من خارج الملاك الاداري، وما تقول به القوانين، وآخرها القانون الذي يحدّد آلية التعيينات في الفئة الاولى بديلاً من الآلية السابقة.
لا تقف الامور عند هذا الحد، فقد ظهر واضحاً في شكل لا يرقى اليه الشك، انه ورغم إقتناع عدد من الوزراء بأهمية آلية التعيين السابقة والجديدة، فقد رضخت الاكثرية منهم لمنطق التسويات والمحاصصة في اللحظات الأخيرة. فالآلية السابقة جاءت بأكثر من 40 موقعاً في الفئة الاولى بالكفايات المشهود لها من موظفي هذه الفئة ومجموعة من اعضاء مجالس الإدارة الناجحة، ويمكن ان تأتي الثانية منها في حال اعتمادها بمزيد منهم.
ولكن، ما الحيلة ان كانت بعض الدوائر المعنية بطبخة التعيينات قد بدأت تتحدث عن تبدّل في المفاهيم الكبرى التي جاءت بدياب رئيساً للحكومة.
ونُقل عن احد ابرز الاقطاب قوله، انّ رئيس الحكومة انضمّ باكراً الى لائحة الراغبين بالدخول الى نادي المحاصصة. فرئيس الحكومة الذي تعهّد بالبقاء خارج نادي السياسيين، بدأ بتكوين فريق عمل خاص به في الدوائر الرسمية، ولم يراع الاصول في بعض القرارات الادارية، لمجرد انّه قبل بمبدأ تقاسم النفوذ المذهبي وافرقاء آخرين في الحكومة.
وعلى وقع هذه الاتهامات، رفض احد اكبر معاوني دياب هذا المنطق، لافتاً الى انّه، وان تجاهل بعضاً مما مسّ بهيبة رئاسة الحكومة، لن يقبل بمزيد من الأخطاء والارتكابات التي انعكس تفسيرها سلباً في بيئته المذهبية. فهو وان كان قد تعهّد ومعه وزراؤه، بعدم السعي الى الترشح للانتخابات النيابية، فهو لم يقل انّه يمكنه التنازل عن صلاحياته. ولا يمكنه السكوت عن اتهامه بالانحياز، عندما دان اطلاق الشعارات المذهبية التي مسّت مذهبه يوم السبت الماضي وألهبت مناطق عدة من احياء بيروت، التي تحولت بين ساعة واخرى مسرحاً لمواجهة مذهبية لا يتحمّل وزرها لا من قريب ولا من بعيد. وبمعزل عمّا يمكن ان يصدر عن جلسة مجلس الوزراء في شأن التعيينات، فهل يمكنه ان يقبل عند تولّي الامين العام لمجلس الوزراء مهمة رئيس مجلس الخدمة المدنية، للحفاظ على موقع سنّي حسّاس، ان يطالبه احدهم بقسم اليمين امام رئيس الجمهورية كخطوة متلازمة بمهمة مؤقتة كُلّف بها ربما لأيام؟
في أي حال، وبعيداً من الغايات المختلفة – والتي لا مجال للبحث فيها الآن – التي قادت الى النشاط السياسي لقادة الصف الاسلامي الاول بعد احداث كورنيش المزرعة – بربور وعين الرمانة – الشياح نهاية الاسبوع الماضي. فقد اجمع القادة الثلاثة، الرئيسان نبيه بري وسعد الحريري ومعهما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، انّ ما طُرح في اللقاءات العاجلة اسمى واعمق وربما اخطر من التغيير الحكومي. وعليه، هل من داعٍ للحديث عن استقالة رئيس الحكومة على خلفية تعيين رئيس مجلس او مدير عام، مهما كثرت الروايات الشخصية حول مؤهّلات البعض منهم واختصاصاتهم، ان تقود الى إستقالته، وهو الذي اجتاز قطوعات اكبر بكثير مما هو مطروح ومما هو مرتقب؟!