IMLebanon

المشاورات الحكومية عالقة… والإعتذار يتقدّم

 

حين اعتذر سعد الحريري عن تأليف الحكومة، اعتقد نجيب ميقاتي أنّ فرصته أتت، ولا بدّ له أن يقطفها في لحظة تقاطع خارجي قد لا تتكرر دوماً، وبأنّ العامل الشخصي لعب دوراً أساسياً في تعطيل مشاورات التأليف نظراً لتردّي العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من جهة، ورئيس “تيار المستقبل” من جهة ثانية.

 

كما أنّ التطورات الاجتماعية المحيطة زادت من حماسة القطب الطرابلسي، ولو أنّه يعرف أنّ علاقته بالفريق العوني لم تكن سمناً وعسلاً، لكنه كان يتأمل في أن تكون الظروف الاقتصادية والمالية الضاغطة التي قد تؤدي إلى انفجار الوضع في أي لحظة، عاملاً مساعداً من شأنه أن يعطيه ما لم يعط للحريري… فضلاً عن حماسة فرنسا ومعها الاتحاد الأوروبي الذي قرر استخدام سيف العقوبات، ودعم الولايات المتحدة وعدم ممانعة السعودية.

 

حين زانها ميقاتي في رأسه، رأى أنّ الكفة ستطبش لمصلحة قيام حكومة باتت أكثر من ملحّة ويمكن بالنتيجة تخطّي العقبات والعراقيل ببعض الدبلوماسية والمسايرة، اللتين قد تسمحان له بفعل ما عجز سلفه عن القيام به، ولو أنه مقيّد سلفاً بالسقف الذي وضعه نادي رؤساء الحكومات السابقين وسيصعب عليه أن يقدّم أي تنازل، أقله بالشكل… لكن بالمحصّلة، بدا الرسم البياني مناسباً للأهداف التي وضعها رئيس الحكومة السابق، فأقدم على الترشّح ظاناً أنّ المنطق السليم سيفرض على شركائه الحكوميين، وتحديداً الفريق العوني، الاقتراب خطوة باتجاهه، لكي يتمكنا من اقتناص الفرصة الأخيرة وتأليف حكومة قادرة على وقف النزيف المالي والبشري.

 

لكن حتى الآن، المياه تكذّب الغطاس. لا يزال رئيس الجمهورية عند موقفه. حقيبة الداخلية، أو لا حكومة. المستغرب في سلوك الفريق العوني، هو أنّ هذا الاصرار على حقيبة وزارة الداخلية في هذه اللحظات المصيرية القاتلة، لا تفسير له، ولا مبرر لتوقيته ولا لطبيعة الاستثمار السياسي الذي قد يحققه هذا الهدف، مع أنّ الفريق ذاته سبق له أن خاض معارك من هذا النوع للإبقاء على حقيبة الطاقة، امتدت أحياناً لأشهر واستدعت تدخّل دول لحسمها، وكان من الممكن أن تُخاض يومها تلك المعارك لكسر العرف الذي يشكو منه العونيون، للحصول على حقيبة الداخلية، لكنه لم يفعلها، ولم يبادر إلى فعلها حين كانت العلاقة سمناً وعسلاً مع “تيار المستقبل”… وحين صار البلد على فوهة البركان، فتحت الشهية على حقيبة الداخلية، لأسباب غير مفهومة أبداً.

 

حتى الآن، يبدو أنّ ضغط المجتمع الدولي وتهديدات الاتحاد الأوروبي ووقوف الطائفة السنية وراء رئيس الحكومة المكلّف، لم تغيّر في المشهد الحكومي. ظنّ الحريري يوماً أنّ ادراج جبران باسيل على لائحة العقوبات قد يدفع بالأخير إلى التراجع في مطالبه وتقديم “فروض الولاء والطاعة” للمشاورات الحكومية، ولكن سرعان ما تبيّن أنّها زادته عناداً وتصلّباً. المشهد ذاته يتكرر مع دخول الاتحاد الأوروبي على خطّ التهديد بفرض عقوبات.

 

يتصرف رئيس الجمهورية على أنّ التوقيع في عهدته، ولا يمكن لأي ضغط خارجي أو داخلي أن يدفعه للتوقيع على مضض، سواء أعلن باسيل أنّه مشارك في المشاورات الحكومية، أم “اختبأ” خلف موقع رئاسة الجمهورية. الحالتان سيّان. لا تغيير في المضمون. ميشال عون يمثّل آخر مظاهر المارونية السياسية، حيث الرئيس الذي لا يهزم وما أخذ بالطائف يسترد بالسلوك. ثمة هدف مضمر في ذهن الفريق العوني ولا شيء قد يدفعه للتخلي عنه.

 

بعد زيارته الرابعة إلى قصر بعبدا، خرج ميقاتي بقليل من الكلام والمواقف، ولكن المعبرة. لفت إلى أنه كان يتمنى “ان تكون الوتيرة أسرع، حيث أن هناك القليل من البطء، في وقت كنت أتمنى أن نزف الحكومة قبل 4 آب”… وهذا يعني أنّ ولادة الحكومة غير مسهلة.

 

وأشار إلى أنّه انطلق من أن “نحافظ على المذاهب والطوائف كما كانت في الحكومة السابقة تفادياً لأي مشكلة جديدة”، وهذا يعني أنّه لا مداورة وأنّ “الداخلية” من حصّة الطائفة السنية. وفي إشارة واضحة الى اعتماده أسلوب الهجوم الدفاعي قال بصريح العبارة إنّ “مهلة تشكيل الحكومة بالنسبة لي ليست مفتوحة”… ما يعني أنّ الاعتذار بات يتقدّم على ما عداه، وثمة من يتحدث عن مهلة أسبوع لا أكثر، سيحدد ميقاتي موقفه على أثرها، ولو أنّ عارفيه يؤكدون أنّ الرجل لن يضحّي بسهولة بالتكليف وسيعمل على تدوير الزوايا لدخول السراي، على طريقة الاحتفاظ بطائفة وزير الداخلية (سنيّ)، فيما يكون انتماؤه السياسي من اللون البرتقالي.