لائحة صفراء مقابل هاشتاغ “التحقيق الجنائي”. هذا هو المشهد المسموح به. ذلك لأن حدود كرة المسؤولية تتراوح بين مرميين لا ثالث لهما: الأول في “الغرف السوداء” لقصر بعبدا. والثاني في بيت الوسط.
ولا لعب إلا ضمن هذين المرميين لأركان المنظومة السياسية. عليهما يقتصر تراشق التهم بالتعطيل. وطبعاً لا يتجرأ أحد على تجاوز الحدود في هذه المسألة. وتحديداً من يصنفون أنفسهم خصوماً.
أما في ملعب الحلفاء، فاللعبة تختلف. وساحاتها مفتوحة ومرنة. ومراميها تتمدد أو تتقلص وفقاً للممنوع والمسموح والممكن وفق انتهازية اللحظة، وتحديداً عندما يتطلب الأمر هلوسة دينية لزوم جولات التنافر. فالحلفاء الذين يبصمون بالعشرة عادة، ويلتزمون بالأجندة مضموناً وأسلوباً في الأمور الكبرى، تمرسوا وصاروا أشطر في تحصيل المكاسب من الصغائر مقابل التحالف. ولمَ لا؟؟ فهم يتمتعون بالامتيازات والمعنويات العالية.
بالتالي يعتمد هؤلاء على مسألة حسابية بسيطة. فقد شهدنا في فترة ما بعد جريمة تفجير المرفأ أنه كلما زادت حاجة ذراع المحور إلى “عونة الحلفاء” للخروج من مشهدية متأزمة، كلما فُتحت طاقة الفرج لتحسين الشروط وتسجيل النقاط مقابل “العونة”.
حينها تدور مجريات اللعبة في عقر دار الحاكم بأمره. ويصل الاعتراض والتشدد الى حد فرض إلغاء ظهور من يسعى إلى التمييز سلباً بين الثنائي لمصلحة الأقوى. والأهم النجاح في المنع، بحيث تشابهت النتائج لما جرى في “تلفزيون المنار” مع ما جرى في محطة “MTV”. وكل من يأتِ على سيرة “القائد المفدى” مصيره مزبلة التاريخ هنا أو هناك… وتصير المعادلة بين الحلفاء: “أبوكم ليس أقوى من أبي”، في حين تبقى معادلة المحور والخصوم: “أبي أقوى من أبيكم”.
ففي ترجمة إستعراض القوة دفاعاً عن أب الشطر الثاني من الثنائي، شهدنا رفضاً للإستضعاف في إطار وحدة المسار والمصير التي يحتاجها المحور في بيئته ليصادر السيادة.
وعلى جبهة الغطاء المسيحي المهترئ الأمر مماثل. فجهود الصهر المدلل ومعه عمه بالقلب والإرادة والفعل والقول، لوضع ملفه على طاولة المفاوضات المرتقبة بعد إعدام دوره السياسي بعقوبات ماغنيتسكي، إذ لا سبيل غيرها لتبرئة ذمته وبعث هذا الدور من موته، تمهيداً لوراثة لا يرى غيرها ولا يقبل بغيرها.
وعلى ما يبدو، فإن ابتزاز الحلفاء يؤتي ثماره. فها نحن نشهد مكاسب الإبتزاز في رغبة المحور تعطيل تشكيل الحكومة وفي مأزق ذراع المحور بعد الإتهامات الواضحة والعلنية وبسقف مرتفع، سواء لجهة جريمة تفجير المرفأ، أو لجهة الاغتيالات المرتبطة بهذا الملف، وصولاً الى حكم إعدام لقمان سليم وتداعياته التي تنضح بما في وعاء ذراع المحور وتدينه، ولا يلجمها هذا الفائض من إستعراض القوة والقمع. لأن فعل الإغتيال ليس ضد أصحاب الغرض ولكن أصحاب رأي آخر معارض.
لكن ما يخيف هو تداعيات هذا الإبتزاز على الوضع اللبناني المأزوم. ما يعني مزيداً من الإرتكابات المدمرة مقابل غياب تام وشامل لأي محاسبة.
الى أين يمكن أن تؤدي هذه الوقائع.. بعد الإنكشاف القائم أصلاً وان أُضيف إليه الإشهار؟
مع الأسف الى مزيد من التدهور والاهتراء، بحيث لم يتبق الا فائض القوة ضد الخصوم مقابل ملامح نضوب الهيبة المعنوية مع الحلفاء لتجديد إرساء معادلة قديمة/جديدة قائمة على حسابات إنتهازية لجهة تحصيل المكاسب، مقابل إكتفاء الخصوم بتبادل كرة المسؤولية بين قصر بعبدا وبيت الوسط.. وإمتداداً إلى المختارة ومعراب.