IMLebanon

تكرار الخيارات في ظروف متغيرة

 

ليس إلتزام الطائف هو الموقف الحقيقي لكل الذين يكررون خطاب التمسك به. لا بالنسبة الى الطرف المشغول بلعبة السلطة والصلاحيات الدستورية. ولا بالنسبة الى الطرف المرتبط بمشروع إقليمي يراد للبنان أن يكون جزءاً منه أرضاً ونظاماً. والواقع أن لبنان اليوم يبدو من جهة كأنه في مرحلة ما قبل الطائف، ومن جهة أخرى في مرحلة الخروج المنهجي منه.

 

وفي الحالين، موازين قوى متغيرة في وضع مأزوم مفلس ومهدد بالإنهيار، وأدوار مختلفة في صراع جيوسياسي على مستوى المنطقة والعالم: اللاعب العربي بطيء الحركة ومشغول بهموم كثيرة. اللاعب الإقليمي المتقدم على اللاعب العربي واللاعبين التركي والإسرائيلي هو الإيراني. اللاعب الفرنسي سريع الحركة لكنه خفيف الوزن. واللاعب الأميركي يتكل على الفرنسي، كي يتفرغ هو لمواجهة لاعبين كانا وراءه هما الروسي والصيني. والمخيف أكثر أن القراءات اللبنانية في مواقف اللاعبين الإقليميين والدوليين هي، في معظمها، نوع من التبصير في فناجين القهوة.

 

والماضي لا يمضي. في خريف 1988موعد الإنتخابات الرئاسية، جاء المسؤول الأميركي ريتشارد مورفي من دمشق حاملاً اسماً واحداً متفقاً عليه، وترك لنا خياراً محدداً: مخايل ضاهر أو الفوضى. إخترنا الفوضى، وحصلنا عليها ومعها حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون، ثم “حرب التحرير”وإتفاق الطائف و”حرب الإلغاء” وتركيز “الوصاية السورية” بعد الدخول العسكري السوري الى القصر الجمهوري. وكان ذهاب عون الى المنفى الفرنسي وإدخال الدكتور سمير جعجع الى السجن.

 

بين عامي 2014-2016 بعد عهد الرئيس ميشال سليمان وضع “حزب الله” أمام الجميع خياراً محدداً: عون رئيساً أو الفراغ. إخترنا عون وحصلنا معه على الفراغ أيضاً. لا بل دخلنا في مأزق لا مخرج منه: أزمة تأليف حكومة، أزمة حكم وأزمة نظام، في أعمق أزمة مالية وإقتصادية واجتماعية، حيث تتحكم بنا مافيا سياسية ومالية وميليشيوية سطت على المال العام والمال الخاص الذي هو ودائع الناس في المصارف.

 

وليس قدر اللبنانيين أن يكونوا في جهنم التي قال رئيس الجمهورية إننا ذاهبون اليها، إن لم تتشكل حكومة. ولم تتشكل حكومة منذ شهور. هم محكومون بالذهاب الى جهنم عقاباً على خطاياهم. لكنهم ليسوا مستعدين لجهنم عقاباً على خطايا المتحكمين بهم. والتعطيل جدي ومرتبط بحسابات واسعة وبعيدة المدى تغطيها حسابات ضيقة وشخصية. غير أن الأسباب المعلنة هزلية. فالقوي لا يساجل، لأن السجال سلاح الضعيف العاجز عن التسوية. والأسوأ هو هبوط السجال الى أدنى مستويات التفاهة والسفاهة.

 

“المحنة هي أم الحكمة” يقول مثل في ويلز. لكن مأساة لبنان أن لعبة الحكم هي أم المحنة.